الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } * { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } * { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً }

قوله: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ } الاية.

لمَّا حكى الله تعالى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزَّائدة، وأجاب عنها حكى شبهة أخرى وهي أنهم استبعدوا أن يبعث الله للخلق رسولاً من البشرِ، بل اعتقدوا أنَّ الله تعالى، لو أرسل رسولاً إلى الخلق، لكان ذلك الرسول من الملائكةِ، وأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بوجوهٍ:

أحدها: قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ }.

وتقرير هذا الجواب: أنَّ بتقدير أن يبعث الله ملكاً رسولاً إلى الخلق، فالخلق إنما يؤمنون بكونه رسولاً من عند الله؛ لأجل قيام المعجزات الدالة على صدقه؛ وذلك المعجز هو الذي يهديهم إلى معرفة صدق ذلك الملك في ادِّعاء رسالته، فالمراد من قوله: { إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } هو المعجز، [وإذا كان كذلك، فنقول: لما كان الدليل على الصِّدق هو المعجز] فقط فهذا المعجز سواءٌ ظهر على الملكِ، أو على البشرِ، وجب الإقرارُ برسالته، فقولهم: " لا بُدَّ وأن يكون الرسول من الملائكة ": تحكم فاسد باطل.

والجواب الثاني عن شبهتهم، وهي أنَّ أهل الأرض لو كانوا ملائكة، لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة؛ لأنّ الجنس إلى الجنس أميل، فلما كان [أهل الأرض] من البشر، فوجب أن يكون رسولهم من البشر؛ وهذا هو المراد من قوله تعالى: { لَّوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [الإسراء: 95].

الجواب الثالث: قوله تعالى: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }.

وتقريره أنَّ الله تعالى، لمَّا أظهر المعجزة على وفق دعواى، كان ذلك شهادة من الله تعالى على كوني صادقاً، ومن شهد الله على صدقه، فهو صادق، فقولكم بأنَّ الرسول يجب أن يكون ملكاً، فذلك تحكُّم فاسدٌ؛ لا يلتفت إليه. ولمَّا ذكر الله تعالى هذه الأجوبة الثلاثة، أردفها بما يجري مجرى التهديد، والوعيد؛ فقال: { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } [الإسراء: 96]. أي: يعلم ظواهرهم وبواطنهم، ويعلم أنَّهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا لمحض الحسد، وحبِّ الرياسة.

قوله: { أَن يُؤْمِنُوۤاْ }: مفعولٌ ثانٍ لـ " مَنَع " ، أي: ما منعهم إيمانهم؛ و " أن قالوا " هو الفاعل، و " إذْ " ظرف لـ " مَنعَ " ، والتقدير: وما منع الناس من الإيمان وقت مجيء الهدى إيَّاهم إلا قولهم: أبعث الله.

وهذه الجملة المنفيَّة يحتمل أن تكون من كلام الله، فتكون مستأنفة، وأن تكون من كلام الرسول، فتكون منصوبة المحلِّ؛ لاندراجها تحت القول في كلتا القراءتين.

قوله: { بَشَراً رَّسُولاً } تقدَّم في نظيره وجهان، وكذلك قوله { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً }.

قوله تعالى: { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ }: يجوز في " كَانَ " هذه التمام، أي: لو وجد، وحصل، و " يَمشُونَ " صفة لـ " مَلائِكَة " و " في الأرض " متعلِّق به، " مُطْمئنينَ " حال من فاعل " يَمشُونَ " ، ويجوز أن تكون الناقصة، وفي خبرها أوجه، أظهرها: أنه الجار، و " يَمشُون " و " مُطمَئنِّينَ " على ما تقدم.

السابقالتالي
2 3 4