الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } * { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً }

قوله تعالى: { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } الآية.

يحتمل أن يكون " مدخل " مصدراً، وأن يكون ظرف مكانٍ، وهو الظاهر، والعامة على ضمِّ الميم فيهما؛ لسبقهما بفعل رباعيٍّ، وقرأ قتادة، وأبو حيوة، وإبراهيم بن أبي عبلة، وحميدٌ بفتح الميم فيهما: إمَّا لأنهما [مصدران على حذف الزوائد؛ كـأَنبَتَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17]؛ وإمَّا لأنهما] منصوبان بمقدر موافق لهما، تقديره: فادخل مدخل، واخرج مخرج، وقد تقدَّم هذا مستوفًى في قراءةِ نافع في سورة النساء [الآية: 31]، وأنه قرأ كذلك في سورة الحجِّ [الآية: 59].

و " مُدخلَ صِدقٍ " ، و " مُخرجَ صِدقٍ " من إضافة التبيين، وعند الكوفيين من إضافة الموصوف لصفته؛ لأنه يوصف به مبالغة.

و " سلطاناً " هو المفعول الأول للجعلِ، والثاني أحدُ الجارَّين المتقدمين، والآخر متعلِّقٌ باستقراره، وقوله " نَصِيراً " يجوز أن يكون محولاً من " فاعلٍ " للمبالغة، وأن يكون بمعنى مفعول.

فصل في معنى " مُدخَلَ صِدقٍ " و " مُخرَجَ صِدْقٍ "

قد تقدَّم في قوله:وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ } [الإسراء: 76] قولان:

أحدهما: أن يكون المراد منه سعي كفَّار مكَّة في إخراجه منها.

والثاني: المراد منه اليهود؛ قالوا له: الأولى أن تخرج من المدينة إلى الشَّام، ثم قال: " أقم الصَّلاة " واشتغل بعبادة الله تعالى، ولا تلتفت إلى هؤلاء الجهَّال، فإنَّ الله تعالى يعينك، ثمَّ عاد بعد هذا الكلام إلى شرح تلك الواقعة من أن كفَّار مكَّة أرادوا إخراجه، فأراد الله تعالى هجرته إلى المدينة، وقال له: { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } ، وهو المدينة، { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } ، وهو مكَّة، وهذا قول ابن عبَّاس، والحسن، وقتادة.

وعلى التفسير الثاني، وهو أنَّ المراد منها أن اليهود حملوه على الخروج من المدينة والذَّهاب إلى الشَّام، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أمر بأن يرجع إليها، فلمَّا عاد إلى المدينة، قال: " ربِّ أدخلْنِي مُدخلَ صدقٍ " وهي المدينة، " وأخْرِجنِي مُخرجَ صِدقٍ " يعني: إلى مكة؛ [بالفتح]، أي: افتحها.

وقال الضحاك: " أدْخلنِي مُدخلَ صِدْقٍ " ظاهراً على مكة بالفتح " وأخْرِجنِي مُخرجَ صِدْقٍ " من مكة، آمناً من المشركين.

وقال مجاهد: أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة، والقيام بمهمات أداء شريعتك، " وأخْرِجْنِي " من الدنيا، وقد قمت بما وجب عليَّ من حقِّها " مُخرجَ صِدقٍ " أي: إخراجاً لا يبقى عليَّ منها تبعةٌ.

وعن الحسن: " أدْخلنِي مُدخلَ صِدْقٍ " الجنة، " وأخْرِجنِي مُخرجَ صِدْقٍ " أي: إخراجاً لا يبقى عليَّ منها تبعةٌ من مكة.

وقيل: أدخلني في طاعتك، وأخرجني من المناهي.

السابقالتالي
2 3 4 5