الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } * { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } * { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً }

لما عدد في الآيات المتقدمة أقسام نعمه على خلقه، وأتبعها بذكر درجاتِ الخلق في الآخرة، أردفه بما يجري مجرى تحذير الناس عن الاغترار بوساوس أرباب الضلال والانخداع بكلماتهم المشتملة على المكرِ والتَّلبِيس، فقال عزَّ وجلَّ: { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ }.

روى عطاءٌ عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في وفد ثقيفٍ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصالٍ، قال: وما هُنَّ؟ قالوا: ألاَّ نَحني في الصَّلاة أيْ لا نَنْحَنِي ولا نكسر أصنامنا بأيدينا، وأن تُمتِّعنا باللاَّت سنة، من غير أن نعبدها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " لا خَيْرَ في دينٍ لا رُكوعَ فيه ولا سُجودَ، وأمّا أن تَكسِرُوا أصْنامَكُم بأيْدِيكُمْ فذلك لَكُم، وأمَّا الطَّاغيةُ يعني اللاَّت فإنَّني غير ممتِّعكُمْ بها " وفي رواية: " وحرِّم وادينا، كما حرَّمت مكَّة شَجرهَا، وطَيْرهَا، ووَحْشهَا، فأبى ذلكَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ولَمْ يُجبْهُم، فقالوا: يا رسول الله إنَّا نُحِبُّ أنْ تَسْمعَ العربُ أنَّك أعْطَيتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ غَيْرنَا، وإنّي خَشِيتُ أن تقُول العربُ: أعْطَيتَهُم ما لَمْ تُعْطِنا، فقل: الله أمَرنِي بذلكَ، فَسكتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فطمع القومُ في سُكوتهِ أنْ يُعْطِيَهُمْ، فَصاحَ عليهم عليٌّ وعمرُ - رضي الله عنهما - وقالوا: أما تَروْنَ أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أمْسَكَ عَنِ الكلامِ؛ كَراهِيَةً لما تَذْكرُونَه، فأنْزلَ الله تعالى هذه الآية ".

وقال سعيد بن جبيرٍ: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريشٌ، وقالوا: لا نَدعُكَ، حتَّى تلم بآلهتنا وتمسَّها، فحدَّث نفسه؛ ما عليَّ إذا فعلتُ ذلك، والله يعلم أنِّي لها كارهٌ، بعد أن يدعوني، حتَّى أستلمَ الحجر، فأنزل الله هذه.

وروى الزمخشريُّ أنَّهم جاءُوا بكتابهم، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كِتَابٌ مِنْ محمَّد رسول الله إلى ثقيفٍ: لا يعشرون، ولا يحشرون، فسكت رسُول الله، ثم قالوا للكاتب: اكْتُبْ ولا يُجْبَون والكَاتبُ ينظرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامَ عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - وسلَّ سيفه، وقال: أسعرتم قَلْبَ نَبيِّنا يا ثقيفُ، أسْعَر الله قُلوبَكُمْ ناراً، فقالوا: لَسْنَا نُكلِّمُك، إنَّما نكلِّم محمداً، فنزلت الآية، وهذه القصَّة إنما وقعت بالمدينة؛ فلهذا قيل: إنَّ هذه الآيات مدنيةٌ.

وروي أنَّ قريشاً قالت: اجْعَلْ آية رحمةٍ آية عذابٍ، وآية عذابٍ آية رحمة؛ حتَّى نُؤمِنَ بك، فنزلت الآية.

قال القفال: ويمكن تأويل الآية من غير تقييد بسبب يضاف إلى نزولها فيه؛ لأنَّ من المعلوم أنَّ المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - بأقصى ما يقدرون عليه، فتارة كانوا يقولون: إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك، فأنزل الله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4