الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً }

قوله تعالى: { أَمْ أَمِنتُمْ }: يجوز أن تكون المتصلة، أي: أيُّ الأمرين كائن؟ ويجوز أن تكون المنقطعة، و " أن يعيدكم " مفعول به.

قوله " تَارةً " بمعنى مرَّة، وكرَّة، فهي مصدرٌ، ويجمع على تيرٍ وتاراتٍ، قال الشاعر: [الطويل]
3442- وإنْسَانُ عَيْنِي يَحْسِرُ المَاءُ تَارةً   فَيَبْدُو، وتَاراتٍ يَجُمُّ فيَغْرَقُ
وألفها تحتمل أن تكون عن واوٍ أو ياءٍ، وقال الراغب: " وهو فيما قيل: [مِنْ] تار الجرحُ: التأمَ ".

قوله تعالى: " قَاصِفاً " القاصِفُ يحتمل أن يكون من " قَصَفَ " متعدِّياً، يقال: قصفت الرِّيحُ الشجر تقصفها قصفاً؛ قال أبو تمَّام: [البسيط]
3443- إنَّ الرِّياحَ إذَا مَا أعْصفَتْ قَصفَتْ   عَيْدانَ نَجْدٍ ولمْ يَعْبَأنَ بالرَّتمِ
فالمعنى: أنها لا تلفي شيئاً إلا قصفته، وكسرته.

والثاني: أن يكون من " قَصِفَ " قاصراً، أي: صار له قصيفٌ، يقال: قَصِفتِ الرِّيحُ، تقصفُ، أي: صوَّتتْ، و " مِنَ الرِّيحِ " نعتٌ.

قوله تعالى: { بِمَا كَفَرْتُمْ } يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون بمعنى " الذي " والباء للسببية، أي: بسبب كفركم، أو بسبب الذي كفرتم به، ثم اتُّسعَ فيه، فحذفت الباءُ، فوصل الفعل إلى الضمير، وإنَّما احتيج إلى ذلك؛ لاختلافِ المتعلق.

وقرأ أبو جعفرٍ، ومجاهدٌ: " فتُغْرِقَكُم " بالتاء من فوق أسند الفعل لضمير الرِّيح، وفي كتاب أبي حيَّان: " فتُغْرِقَكُمْ " بتاء الخطاب مسنداً إلى " الرِّيح " والحسن وأبو رجاء بياء الغيبة، وفتح الغين، وتشديد الراء، عدَّاه بالتضعيف، والمقرىء لأبي جعفر كذلك إلاَّ أنه بتاء الخطاب. قال شهاب الدين: هو إمَّا سهوٌ، وإمَّا تصحيفٌ من النساخ عليه؛ كيف يستقيم أن يقول بتاءِ الخطاب، وهو مسندٌ إلى ضمير الرِّيحِ، وكأنه أراد بتاء التأنيث، فسبقه قلمه أو صحَّف عليه غيره.

وقرأ العامة " الرِّيحِ " بالإفراد، وأبو جعفرٍ: " الرِّياح " بالجمع.

قوله: " به تَبِيعاً " يجوز في " بِهِ " أن يتعلَّق بـ " تَجِدُوا " وأن يتعلق بـ " تَبِيعاً " ، وأن يتعلق بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من " تبيعًا " والتَّبِيعُ: المطالب بحقِّ الملازمُ، قال الشَّماخ: [الوافر]
3444-................   كمَا لاذَ الغَريمُ مِنَ التَّبيعِ
وقال آخر: [الطويل]
3445- غَدَوْا وغَدتْ غِزلانُهمْ فَكأنَّهَا   ضَوَامِنُ مِنْ غُرْمٍ لهُنَّ تَبِيعُ
فصل

ومعنى الآية { أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ } ، يعني في البحر { تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً }.

قال ابن عباس - رضي الله عنه -: أي عاصفاً، وهي الرِّيح الشديدة وقال أبو عبيدة: هي الرِّيح التي تقصف كلَّ شيءٍ، أي: تدقٌّه وتحطمه { فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً } ناصراً ولا ثائراً، وتبيع بمعنى تابعٍ، أن تابعاً مطالباً بالثَّأر.

وقال الزجاج - رضي الله عنه -: من يتبعنا بإنكارِ ما نزل بكم، ولا من يتتبّعنا بأن نصرفه عنكم.