الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً }

قوله تعالى: { ٱذْهَبْ فَمَن }: تقدَّم أن الباء تدغم في الفاء في ألفاظٍ منها هذه، عند أبي عمرو، والكسائي، وحمزة في رواية خلادٍ عنه؛ بخلاف في قوله تعالى:وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ } [الحجرات: 11].

وهذا ليس من الذَّهاب الذي هو ضدُّ المجيء، وإنما معناه: امضِ لشأنك الذي اخترته، و المقصود التخلية، وتفويض الأمر إليه، كقول موسى - صلوات الله عليه -:فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَٰوةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } [طه: 97] ثم قال عزَّ وجلَّ: { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً }.

فإن قيل: الأولى أن يقال: فإن جهنَّم جزاؤهم؛ ليعود الضمير إلى قوله: { فَمَن تَبِعَكَ }؟ فالجواب من وجوهٍ:

الأول: تقديره: جزاؤهم وجزاؤكم؛ لأنه تقدَّم غائب ومخاطب في قوله: { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } فغلَّب المخاطب على الغائب، فقيل: جزاؤكم.

والثاني: يجوز أن يكون الخطاب مراداً به " مَنْ " خاصة، ويكون ذلك على طريق الالتفات.

والثالث: أنه - صلوات الله وسلامه عليه - قال: " مَنْ سَنَّ سُنَّةً سيِّئةً فَعليْهِ وزِرُهَا ووِزْرُ مِنْ عَمِلَ بِهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ " فكل معصية توجد فيحصل لإبليس مثل وزْرِ ذلك العامل، فلما كان إبليس هو الأصل في كلِّ المعاصي، صار المخاطب بالوعيد هو إبليس.

قوله تعالى: " جَزَاءً " في نصبه أوجهٌ:

أحدها: أنّه منصوبٌ على المصدر، الناصب له المصدر قبله، وهو مصدر مبين لنوع المصدر الأول.

الثاني: أنه منصوب على المصدر ايضاً، لكن بمضمرٍ، أي: يجازون جزاء.

الثالث: أنه حالٌ موطئة كـ " جَاءَ زيدٌ رجُلاً صَالحاً ".

الرابع: أنه تمييزٌ، وهو غير متعقَّل.

و " مَوفُوراً " اسم مفعولٍ، من وفرته، ووفر يستعمل متعدِّياً، ومنه قول زهير: [الطويل]
3435- ومَنْ يَجْعَلِ المعرُوفَ من دُونِ عِرْضهِ   يَفِرهُ ومَنْ لا يتَّقِ الشَّتمَ يُشتمِ
والآية الكريمة من هذا، ويستعمل لازماً، يقال: وفرَ المالُ يَفِرُ وفُوراً، فهو وَافِرٌ، فعلى الأول: يكون المعنى جزاء موفَّراً، وعلى الثاني: يكون المعنى جزاء وافراً مكمَّلاً يقال: وفرتهُ أفرهُ وفْراً.