الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }

لما استدلَّ على فساد قول المشركين، وأتبعه بالوعيد، أتبعه بذكر مسألة النبوة، واعلم أنَّ الكفَّار كانوا يقترحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم إظهار المعجزات، كما حكى الله تعالى عنهم ذلك في قولهم:فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } [الأنبياء: 5].

وقال آخرون:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُر لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنبُوعاً } [الإسراء: 90] الآيات.

وقال سعيد بن جبيرٍ: إنَّهم قالوا إنَّك تزعمُ أنَّه كان قبلك أنبياءُ منهم من سخِّرت له الريحُ، ومنهم من أحيا الموتى، فأتنا بشيءٍ من هذه المعجزات، فأجابهم الله تعالى بهذه الآية.

وفي تفسير هذا الجواب وجوهٌ:

الأول: أن المعنى أنِّي إن أظهرتُ تلك المعجزاتِ، ثم لم يؤمنوا بها، بل بقوا مصرِّين على الكفر، فحينئذ: يصيرون مستحقين لعذاب الاستئصال، لكنَّ إنزال عذاب الاستئصال على هذه الأمَّة غير جائزٍ؛ لأن الله تعالى علم [أن] فيهم من سيؤمن أو يؤمن من أولادهم، فلهذا لم يظهر تلك المعجزات.

قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - إنَّ أهل مكَّة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصَّفا ذهباً، وأن يزيل عنهم الجبال، حتَّى يزرعوا تلك الأرض، فطلب الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ذلك من الله تعالى، فقال سبحانه جلَّ ذكره: إن شئت أن أستأني فعلت وإن شئت أن أوتيهم ما شاءوا فعلت لكن بشرط؛ أنهم إن لم يؤمنوا، أهلكتهم، قال: لا أريد ذلك، فنزلت هذه الآية.

الثاني في تفسير هذا الجواب: أنَّا لا نظهر المعجزاتِ؛ لأن آباءكم رأوها، ولم يؤمنوا بها، وأنتم مقتدون بهم، فلو رأيتموها، لم تؤمنوا بها أيضاً.

الثالث: أنَّ الأوَّلين رأوا هذه المعجزات، وكذَّبوا بها، فعلم الله منكم أيضاً: أنَّكم لو شاهدتموها، لكذَّبتم بها، فكان إظهارها عبثاً، والحكيم لا يفعل العبث.

قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ }: " أن " الأولى وما في حيزها في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ على اختلاف القولين؛ لأنها على حذف الجارِّ، أي: من أن نرسلَ، والثانية وما في حيِّزها في محلِّ رفع بالفاعليَّة، أي: وما منعنا من إرسال الرسل بالآيات إلا تكذيب الأوَّلين، أي: لو أرسلنا الآيات المقترحة لقريشٍ، لأهلكوا عند تكذيبهم؛ كعادة من قبلهم، لكن علم الله سبحانه أنَّه يؤمن بعضهم، ويكذِّبُ بعضهم من يؤمنُ، فلذلك لم يرسل الآيات لهذه المصلحة.

وقدَّر أبو البقاء رحمه الله مضافاً قبل الفاعل، فقال: " تقديره: إلاَّ إهلاكُ التكذيب ". كأنَّه يعني أنَّ التكذيب نفسه لم يمنع من ذلك، وإنَّما منع منه ما يترتَّب على التَّكذيب، وهو الإهلاك، ولا حاجة إلى ذلك؛ لاستقلالِ المعنى بدونه.

قوله تعالى: { وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً }.

السابقالتالي
2