الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً }

تقدم إعراب قوله تعالى { وَقُل لِّعِبَادِي } في سورة إبراهيم [31]. وفي العباد ها هنا قولان:

الأول: المراد به المؤمنون؛ لأنَّ لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختصٌّ بالمؤمنين. قال تعالى:فَبَشِّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ } [الزمر: 17، 18]فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } [الفجر: 29]عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [الإنسان: 6].

وإذا عرف هذا، فإنه تعالى لمَّا ذكر الحجج القطعيَّة في صحَّة المعاد، وهو قوله تعالى:قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الإسراء: 51] قال ها هنا: قل، يا محمد لعبادي: إذا أردتم الاستدلال على المخالفين، فاذكروا تلك الدلائل بطريق الأحسن من غير شتم، ولا سبٍّ، ونظيره قوله تعالى:ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] وقوله تعالى:وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [العنكبوت: 46] وذلك لأنَّ ذكر الحجَّة، إذا اختلط به سبٌّ أو شتمٌ، لقابلوكم بمثله، كما قال تعالى:وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108] ويزداد الغضب، وتكمل النُّفرة، ويمتنع المقصود، وإذا ذكرت الحجة بالطَّريق الأحسن، أثَّر في القلب تأثيراً شديداً، ثم نبَّه تعالى على وجه المنفعة، فقال تعالى: { إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } أي: يفسد بينهم، ويغري بينهم.

قال الكلبي: كان المشركون يؤذون المسلمين، فشكوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: { وَقُل لِّعِبَادِي } المؤمنين يقولوا للمشركين التي هي أحسنُ، ولا يكافئوهم بسفههم.

قال الحسن: يقول له: يهديك الله، وكان هذا قبل الإذن في الجهاد.

وقيل: نزلت في عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شتمة بعض الكفَّار، فأمره الله تعالى بالعفو.

وقيل: أمر المؤمنين بأن يقولوا، ويفعلوا الخلَّة التي هي أحسن.

وقيل: الأحسن قول: لا إله إلا الله.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } يجوز أن تكون هذه الجملة اعتراضاً بين المفسَّر والمفسِّر؛ وذلك أن قوله تعالى:رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ } [الإسراء: 54] وقع تفسيراً لقولهبِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [الإسراء: 34] وبياناً لها، ويجوز ألاَّ تكون معترضة، بل مستأنفة.

وقرأ طلحة " ينْزِغُ " بكسر الزاي، وهما لغتان، كيَعْرِشُون ويَعرُشُونَ، قاله الزمخشري. قال أبو حيان: ولو مثَّل بـ " يَنطَحُ " و " يَنْطِحُ " كأنَّه يعني من حيث إنَّ لامَ كلِّ منهما حرف حلقٍ، وليس بطائلٍ.

والمعنى: أنَّ الشيطان يلقي العداوة بينهم { إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } ظاهر العداوة.