الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }

قوله: { وَعْدُ } أي: موعود، فهو مصدر واقع موقع مفعول، وتركه الزمخشريُّ على حاله، لكن بحذف مضافٍ، أي: وعدُ عقاب أولاهما. وقيل: الوعدُ بمعنى الوعيد، وقيل: بمعنى الموعد الذي يراد به الوقت، فهذه أربعة أوجهٍ، والضمير عائدٌ على المرَّتينِ.

قوله: " عِبَاداً لَنَا " العامة على " عِبَاد " بزنة فِعَال، وزيد بن عليٍّ والحسن " عَبِيداً " على فعيل، وتقدَّم الكلام على ذلك.

وقوله: " فَجاسُوا " عطف على " بَعثْنَا " ، أي: ترتَّب على بعثنا إياهم هذا. وجُوس بفتح الجيم وضمها مصدر جاسَ يَجُوسُ، أي: فتَّش ونقَّب، قاله أبو عبيدٍ، وقال الفراء: " قَتلُوا " قال حسان: [الطويل]
3376- ومِنَّا الَّذي لاقَى بِسيْفِ مُحمَّدٍ   فَجَاسَ بِهِ الأعْداءُ عَرْضَ العَساكرِ
وقال أبو زيد: " الجُوسُ والجَوْسُ والحَوْسُ والهَوْسُ طلب الطَّوف باللَّيْلِ ". وقال قطربٌ: " جَاسُوا: نَزلُوا ". وأنشد: [المتقارب]
3377- فَجُسْنَا دِيَارهُمْ عَنْوَةً   وأبْنَا بِسَاداتِهمْ مُوثَقِينَا
وقيل: " جَاسُوا بمعنى دَاسُوا " ، وأنشد: [الرجز]
3378- إلَيْكَ جُسْنَا اللَّيْلَ بالمَطِيِّ   
وقيل: الجَوْسُ: التردُّد. قال الليث: الجَوْس، والجوسان: التردُّد وقيل: طلب الشيءِ باستقصاءٍ، ويقال: " حَاسُوا " بالحاءِ المهملة، وبها قرأ طلحةُ وأبو السَّمَّال، وقُرِىء " فجُوِّسُوا " بالجيم، بزنة نُكِّسُوا.

و " خلال الدِّيارِ " العامة على " خِلال " وهو محتملٌ لوجهين:

أحدهما: أنه جمعُ خللٍ؛ كجِبال في جبل، وجمال في جَمل.

والثاني: أنه اسمٌ مفردٌ بمعنى وسطٍ، ويدل له قراءة الحسن " خَلَلَ الدِّيارِ ".

قوله: " وكان وعْداً " ، أي: وكان الجوسُ، أو وكان وعْدُ أولاهما، أو وكان وعدُ عقابهم.

قوله تعالى: { ٱلْكَرَّةَ }: مفعول " رَدَدْنَا " وهي في الأصل مصدر كرَّ يكُرُّ، أي: رجع، ثم يعبَّر بها عن الدَّولةِ والقهر.

قوله: " عَليْهِم " يجوز تعلُّقه بـ " رَدَدْنَا " ، أو بنفس الكرَّة؛ لأنه يقال: كرَّ عليه، فتتعدَّى بـ " عَلَى " ويجوز أن تتعلق بمحذوفٍ على أنها حالٌ من " الكرَّة ".

قوله: " نَفِيراً " منصوبٌ على التمييز، وفيه أوجهٌ:

أحدها: أنه فعيلٌ بمعنى فاعل، أي: أكثر نافراً، أي: من يَنْفِرُ معكم.

الثاني: أنه جمع نفرٍ؛ نحو: عَبْدٍ وعبيدٍ، قاله الزجاج؛ وهم الجماعة الصَّائرُون إلى الأعداء.

الثالث: أنه مصدر، أيك أكثر خروجاً إلى الغزو؛ قال الشاعر: [المتقارب]
3379- فَأكْرِمْ بقَحْطانَ مِنْ والِدٍ   وحِمْيَرَ أكْرِمْ بقَوْمٍ نَفِيرَا
والمفضل عليه محذوفٌ، فقدره بعضهم: أكثر نفيراً من أعدائكم، وقدَّره الزمخشريُّ: أكثر نفيراً ممَّا كنتم.

فصل في معنى الآية

معنى الآية: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } يعني أوَّل المرَّتين.

قال قتادة: " إفسادهم في المرَّة الأولى ما خالفوا من أحكام التوراة وركبوا المحارم ".

السابقالتالي
2