الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً }

قوله تعالى: { بِمَا يَسْتَمِعُونَ }: الباء في " بما " متعلق بـ " أعْلَمُ ". وما كان من باب العلم والجهل في أفعل التفضيل، وأفعل في التعجب تعدَّى بالباء؛ نحو: أنت أعلمُ به، وما أَعلمك به!! وهو أجهل به، وما أجهله به!! ومن غيرهما يتعدَّى في البابين باللام؛ نحو: أنت أكسى للفقراء، و " مَا " بمعنى الذي، وهي عبارةٌ عن الاستخفاف والإعراض، فكأنه قال: نحن أعلم بالاستخفاف، والاستهزاءِ الذي يستمعون به، قاله ابن عطيَّة.

قوله: " به " فيه أوجه:

أحدها: أنه حال، فيتعلق بمحذوف.

قال الزمخشري: " وبه في موضع الحالِ، كما تقول: يستمعون بالهزءِ، أي: هازئين ".

الثاني: أنها بمعنى اللامِ، أي: بما يستمعون له.

الثالث: أنها على بابها، أي: يستمعون بقلوبهم أو بظاهر أسماعهم، قالهما أبو البقاء.

الرابع: قال الحوفيُّ: " لم يقلْ يستمعونه، ولا يستمعونك؛ لمَّا كان الغرضُ ليس الإخبار عن الاستماعِ فقط، وكان مضمَّناً أنَّ الاستماع كان على طريق الهزء بأن يقولوا: مجنونٌ أو مسحورٌ، جاء الاستماع بالباء وإلى، ليعلم أنَّ الاستماع ليس المراد به تفهُّم المسموعِ دون هذا المقصد " فعلى هذا ايضاً تتعلَّق الباء بـ " يَسْتمِعُونَ ".

قوله تعالى: { إِذْ يَسْتَمِعُونَ } فيه وجهان:

أحدهما: أنه معمولٌ لـ " أعْلَمُ ". قال الزمخشري: " إذ يستمعون نصب بـ " أعْلَمُ " أي: أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون، وبما يتناجون؛ إذ هم ذوو نجوى ".

والثاني: أنه منصوبٌ بـ " يَسْتمِعُونَ " الأولى.

قال ابن عطيَّة - رحمه الله -: " والعامل في " إذ " الأولى، وفي المعطوف " يَسْتمِعُونَ " الأولى ".

وقال الحوفيُّ: و " إذ " الأولى تتعلق بـ " يَسْتمِعُونَ " وكذا " وإذْ هُمْ نجْوَى " لأن المعنى: نحن أعلم بالذي يستمعون إليك، وإلى قراءتك وكلامك، إنما يستمعون لسقطك، وتتبُّع عيبك، والتماسِ ما يطعنون به عليك، يعني في زعمهم؛ ولهذا ذكر تعديتهُ بالباء و " إلى ".

قوله - عز وجل -: " نَجْوَى " يجوز أن يكون مصدراً، فيكون من إطلاق المصدر على العين مبالغة، أو على حذف مضاف، أي: ذوو نجوى، كما قاله الزمخشري، ويجوز أن يكون جمع نجيٍّ، كقتيلٍ وقتلى، قاله أبو البقاء.

قوله تعالى: { إِذْ يَقُولُ } بدل من " إذ " الأولى في أحد القولين، والقول لآخر: أنَّها معمولة لـ " اذْكُرْ " مقدَّراً.

قوله تعالى: " مَسْحُوراً " الظاهر أنَّه اسم مفعول من " السِّحرِ " بكسر السين، أي: مخبول العقل، أو مخدوعه، وقال أبو عبيدة: معناه أنَّ له سَحْراً، أي: رئة بمعنى أنه لا يستغني عن الطَّعام والشَّراب، فهو بشرٌ مثلكم، وتقول العرب للجبان: " قد انتفخَ سَحرهُ " بفتح السين، ولكلِّ من أكل وشرب: مسحورٌ، ومسحرٌ، فمن الأول قول امرىء القيس: [الوافر]

السابقالتالي
2