الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

قوله تعالى: { تُسَبِّحُ } قرأ أبو عمرو والأخوان، وحفص " تُسَبِّحُ " بالتاء، والباقون بالياء من تحت، وهما واضحتان؛ لأن التأنيث مجازي، ولوجود الفصل أيضاً بين الفعل والتأنيث.

وقال ابن عطيَّة: " ثم أعاد على السَّموات والأرض ضمير من يعقل، لمَّا أسند إليها فعل العاقل، وهو التسبيح وهذا بناءً على أنَّ " هُنَّ " مختصٌّ بالعاقلات، وليس كما زعم، وهذا نظيرُ اعتذاره عن الإشارة بـ أولئك " في قوله " كُلُّ أولئكَ " وقد تقدَّم. وقرأ عبد الله والأعمش " سَبَّحَتْ " ماضياً بتاء التأنيث.

فصل

قال ابن عطيَّة: يقال: فَقِهَ، وفَقَهَ، وفَقُهُ؛ بكسر القاف، وفتحها، وضمها، فالكسر إذا فهم، وبالفتح إذا سبق غيره للفهم، وبالضمِّ إذا صار الفقه له سجيَّة، فيكون على وزن " فَعُلَ " بالضَّم؛ لأنَّه شأنُ أفعال السجايا الماضية نحو: ظَرُفَ فهو ظريفٌ، وشرُف فهو شريفٌ، وكرُم فهو كريم، واسم الفاعل من الأوليين فاعل؛ نحو: سَمِعَ، فهو سَامعٌ، وغلب فهو غالبٌ، ومن الثالث: فعيلٌ؛ فلذلك تقول فَقُهَ فهو فَقِيهٌ.

فصل

روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: وإن من شيء حيٍّ إلا يُسبح بحمدهِ.

وقال قتادة - رضي الله عنه - يعني الحيوانات والنَّاميات.

وقال عكرمةُ: الشجرة تسبِّح، والأسطوانة تسبِّح.

وعن المقدام بن معدي كرب، قال: " إنَّ التُّرابَ يُسبِّح مَا لمْ يبْتَلَّ، فإذا ابتلَّ ترك التَّسبيحَ، وإنَّ الخرزة تُسبِّحُ، مَا لَمْ تُرفَعْ من موضعها، فإذا رفعتْ تركت التَّسبيح، وإنَّ الورقة تُسبِّح ما دامت على الشَّجرة، فإذا سقطت، تركت التَّسبيح، وإنَّ الماء يسبِّح ما دام جارياً، فإذا أركد، ترك التَّسبيح، وإنَّ الثوب يسبِّح ما دام جديداً، فإذا وسخ، ترك التسبيح، وإن الطير والوحش تسبِّح، إذا صاحتْ، فإذا سكنت، تركت التَّسبيح ".

وقال إبراهيم النخعيُّ: وإن من شيءٍ جمادٍ وحيٍّ إلا يسبِّح بحمده، حتَّى صرير الباب، ونقيض السقف.

وقال مجاهدٌ: كل الأشياء تسبِّح لله، حيًّا كان أو ميتاً، أو جماداً، وتسبيحها: سبحان الله وبحمده.

قال أهلُ المعاني: تسبيحُ الحيِّ المكلَّف بالقول، كقول اللسان: سبحان الله، وتسبيح غير المكلَّف كالبهائم، ومن لا يكون حيًّا، كالجمادات ما دلَّت بلطيفِ تركيبها، وعجيب هيئتها على خالقها؛ لأنَّ التسبيح باللسان لا يحصُل إلاَّ مع الفهم، والعلم، والإدراك، والنُّطق، وكل ذلك في الجمادات محالٌ.

قالوا: فلو جوَّزنا في الجماد أن يكون عالماً متكلِّماً، لعجزنا عن الاستدلال بكونه تعالى قادراً عالماً على كونه حيًّا، وحينئذٍ: يفسد علينا باب العلم بكونه حيًّا، وذلك كفر؛ فإنَّه إذا جاز للجمادات أن تكون عالمة بذات الله وصفاته، وتسبيحه، مع أنَّها ليست بأحياء؛ فحينئذ: لا يلزم من كون الشيءِ عالماً قادراً متكلماً أن يكون حيًّا، فلم يلزم من كونه تعالى عالماً قادراً كونه حيًّا، وذلك جهلٌ وكفر، ومن المعلوم بالضَّرورة أنَّ من ليس بحيٍّ لم يكن عالماً قادراً متكلِّماً.

السابقالتالي
2 3