الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً }

قوله تعالى: { ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ }: [مبتدأ أو خبر]، اعلم أن قوله " ذلك " إشارةٌ إلى ما تقدَّم من التكاليف، وهي خمسةٌ وعشرون نوعاً، أولها قوله تعالى:لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } [الإسراء: 22].

وقوله:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 23].

وهذا مشتملٌ على تكليفين:

الأمر بعبادةِ الله تعالى، والنهي عن عبادة غير الله، فكان المجموع [ثلاثة].

والرابع: قوله تعالى:وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء: 23] وقوله:فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } [الإسراء: 23] وقولهوَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا } [الإسراء: 23، 24]وَءَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } [الإسراء: 26] وقوله:فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } [الإسراء: 28]وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا } [الإسراء: 29]وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ } [الإسراء: 31]وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ } [الإسراء: 33]وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً } [الإسراء: 33]وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } [الإسراء: 34] وقوله:وَأَوْفُواْ ٱلْكيْلَ } [الإسراء: 35]وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } [الإسراء: 35] وقوله:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36]وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } [الإسراء: 37] { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } فهذه خمسةٌ وعشرون تكليفاً، بعضها أوامر وبعضها نواهٍ، جمعها الله تعالى في هذه الآيات، وجعل فاتحتها قوله:لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } [الإسراء: 22]، وخاتمتها قوله: { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } وإنَّما سمَّاها حكمة؛ لوجوه:

الأول: أن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتَّوحيد، وأنواع الطَّاعات والخيرات والإعراض عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، والعقول تدلُّ على صحَّتها، فالآتي بمثل هذه الشريعة لا يكون داعياً إلى دين الشيطان، بل الفطرة الأصليَّة تشهد بأنَّه يكون داعياً إلى دين الرَّحمن.

الثاني: أنَّ هذه الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع الأديان والملل، ولا تقبل النَّسخ والإبطال، فكانت محكمة وحكمة من هذه الاعتبارات.

الثالث: أنَّ الحكمة عبارةٌ عن معرفة الحقِّ لذاته، والخير لأجلِ العمل به؛ فالأمر بالتوحيد عبارة عن القسم الأوَّل، وسائر التكاليف عبارة عن تعلُّم الخيرات؛ لأجل العمل بها.

روي عن ابن عباسٍ - رضي الله عنه - أنَّ هذه التكاليف المذكورة كانت في ألواح موسى - صلوات الله عليه - أولها " لا تَجْعلْ مع الله إلهاً آخر ".

قال تعالى:وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً } [الأعراف: 145].

فكلُّ ما أمر الله به أو نهى عنه، فهو حكمةٌ.

قوله تعالى: " مِنَ الحكمةِ " يجوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ:

أحدها: أن يكون حالاً من عائد الموصول المحذوف، تقديره: من الذي أوحاه حال كونه من الحكمة، أو حال من نفس الموصول.

الثاني: أنه متعلق بـ " أوْحَى " ، و " مِنْ " إمَّا تبعيضيةٌ؛ لأنَّ ذلك بعض الحكمة، وإمَّا للابتداء، وإما للبيان.

السابقالتالي
2