الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }

لمَّا شرح الأوامر الثلاثة، عاد بعده إلى ذكرِ النَّواهي، فنهى عن ثلاثةِ أشياء، أولها: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } العامَّة على هذه القراءة، أي: لا تتَّبعْ، من قفاه يقفوه إذا تتبَّع أثره، قال النابغة: [الطويل]
3417- ومِثلُ الدُّمى شمُّ العرانينِ ساكنٌ   بِهنَّ الحياءُ لا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا
وقال الكميت: [الوافر]
3418- فَلا أرْمِي البَرِيءَ بِغيْرِ ذَنبٍ   ولا أقًفُو الحَواصِنَ إنْ قُفينَا
وقرأ زيد بن عليٍّ: " ولا تَقْفُو " بإثبات الواو، وقد تقدَّم في قراءة قنبل في قوله تعالى:إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } [يوسف: 90] أن إثبات حرف العلَّة جزماً لغة قومٍ، وضرورة عند غيرهم، كقوله:
3419-...................   مِنْ هَجْوِ زبَّان لمْ تَهْجُو ولمْ تَدعِ
وقرأ معاذ القارئ " ولا تَقُفْ " بزنةِ تقلْ، من قاف يقُوفُ، أي: تتبَّع أيضاً، وفيه قولان:

أحدهما: أنه مقلوبٌ؛ من قَفَا يَقْفُو.

والثاني - وهو الأظهر-: أنه لغة مستقلة جيدة؛ كجبذ وجذبَ؛ لكثرة الاستعمالين؛ ومثله: قعا الفحل الناقة وقاعها.

والباء في " به " متعلقةٌ بما تعلَّق به " لَكَ " ولا تتعلق بـ " عِلمٌ " لأنه مصدر، إلا عند من يتوسَّع في الجارِّ.

قوله تعالى: { وَٱلْفُؤَادَ } قرأ الجرَّاحُ العقيلي بفتح الفاء واوٍ خالصةٍ، وتوجيهها: أنه أبدل الهمزة واواً بعد الضمة في القراءةِ المشهورة، ثم فتح فاءَ الكلمة بعد البدل، لأنَّها لغة في الفؤاد، يقال: فؤاد وفآدٌ، وأنكر أبو حاتمٍ هذه القراءة، وهو معذور.

فصل

يقال: قَفوْتُ أثر فلانٍ أقْفُو قَفْواً، إذا تتبَّعتَ أثره، وسُمِّيت قافية الشِّعر قافية؛ لأنَّ البيت يقفو البيت، وسمِّيت القبيلة المشهورة بالقافة؛ لأنَّهم يتَّبعون آثار أقدام النَّاسِ، ويستدلُّون بها على أحوال الإنسان.

وقال تعالى:ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا } [الحديد: 27].

وسمِّي القفا قفاً؛ لأنه مؤخر بدنِ الإنسان ووراءه، كأنه شيء يتبعه ويقفوه.

فقوله: " ولا تَقْفُ " أي: لا تتَّبعْ ما لا علم لك به، من قول أو فعلٍ، فهو نهيٌ عن الحكم بما لا يكون معلوماً، وهذه قضية كليةٌ يندرجُ تحتها أنواعٌ كثيرةٌ، وكل واحدٍ من المفسِّرين حمله على واحدٍ من تلك الأنواع، فقيل: المراد نهي المشركين عن اعتقاداتهم وتقليد أسلافهم؛ لأنَّه تعالى نسبهم في تلك العقائد إلى اتِّباع الهوى، فقال تعالى:إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [النجم: 23].

{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } [النجم:23].

وقال في إنكارهم البعثبَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } [النمل: 66].

وحكى عنهم أنَّهم قالوا:إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [الجاثية: 32].

وقال:وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ } [القصص: 50].

وقال عزَّ وجلَّ:وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ }

السابقالتالي
2 3 4 5