الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } * { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

قوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الآية.

اعلم أنه تعالى نهى عن الزِّنا، وقد ذكرنا أنه يوجب اختلاط الأنساب، وذلك يوجبُ منع تربية الأولاد، ويوجب انقطاع النَّسل، وذلك مانع من دخول الناس في الوجود، فالنَّهيُ عن الزِّنا وعن القتل يرجع حاصله إلى النَّهي عن إتلاف النفوس، فلمَّا ذكره تعالى أتبعه بالنَّهي عن إتلاف الأموال؛ لأنّ أعزَّ الأشياء بعد النفوس الأموال، وأحق الناس بالنَّهي عن إتلافِ أموالهم هو اليتيمُ؛ لأنَّه لصغره، وضعفه، وكمالِ عجزه يعظم ضرره بإتلاف ماله؛ فلهذا خصَّهم الله تعالى بالنهي عن إتلاف أموالهم، فقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } نظيرهُ قوله تعالى:وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } [النساء: 6].

المراد بقوله: { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: إلا بالتصرُّف الذي ينمِّيه ويكثِّره.

وروى مجاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ، قال: إذا احتاج أكل بالمعروف وإذا أيسر قضاه، فإن لم يوسر، فلا شيء عليه.

واعلم أنَّ الوليَّ، إنَّما تبقى ولايتهُ على اليتيم إلى أن يبلغ أشدَّه، وهو بلوغُ النِّكاح، كما بيَّنه الله تعالى في قوله:وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء:6].

المراد بالأشدّ ها هنا بلوغهُ إلى حيث يمكنه بسبب عقله ورشده القيام بمصالحِ ماله، فحينئذ تزولُ ولاية غيره عنه، فإن بلغ غير كامل العقل، لم تزل الولاية عنه.

قوله تعالى: { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } الآية.

اعلم أنَّه تعالى أمر بخمسة أشياء أوَّلاً، ثم نهى عن ثلاثةِ أشياء، وهي الزِّنا، والقتلُ، وأكل مالِ اليتيم، ثمَّ أتبعه بهذه الأوامِرِ الثلاثة، فالأول قوله تعالى: { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ }.

واعلم أنَّ كلَّ عقدٍ يعقد لتوثيق أمرٍ وتوكيده، فهو عهدٌ؛ كعقد البيع والشَّركة، وعقد اليمين والنَّذر، وعقد الصلح، وعقد النِّكاح، فمقتضى هذه الآية أنَّ كلَّ عهدٍ وعقدٍ يجري بين إنسانين، فإنَّه يجبُ عليهما الوفاءُ بذلك العقد والعهد، إلاَّ إذا دلَّ دليل منفصلٌ على أنه لا يجب الوفاء به، فمقتضاه الحكم بصحَّة كل بيع وقع التراضي عليه، وتأكَّد هذا النصُّ بسائر الآياتِ الدالة على الوفاء بالعهود والعقود؛ كقوله عزَّ وجلَّ:وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } [البقرة: 177]وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [المؤمنون: 8]وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ } [البقرة: 275] ولاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ } [النساء: 29]وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [البقرة: 282].يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة: 1].

وقوله - صلوات الله وسلامه عليه -: " لا يحلُّ مالُ امرىءٍ مسلمٍ إلاَّ بطيبِ نَفسٍ منهُ ".

وقوله: " إذَا اختلفَ الجِنْسَانِ، فَبِيعُوا كيف شِئتُمْ يداً بيدٍ ".

وقوله: " مَن اشْترَى مَا لَمْ يَرهُ، فلهُ الخيارُ إذا رَآهُ ".


السابقالتالي
2