الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }

قوله: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ }.

العامَّة على نصب " ذريَّة " وفيها أوجه:

أحدها: انها منصوبةٌ على الاختصاص، وبه بدأ الزمخشري.

الثاني: أنَّها منصوبة على البدل من " وكيلاً " ، أي: ألاَّ تتخذوا من دوني ذرية من حملنا.

الثالث: أنها منصوبة على البدل من " مُوسَى " ذكره أبو البقاء، وفيه بعدٌ.

الرابع: أنها منصوبة على المفعول الأول لـ " تتخذوا " والثاني هو " وكيلاً " فقدِّم، ويكون " وكيلاً " ممَّا وقع مفرد اللفظ، والمعنيُّ به جمعٌ، أي: لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلاً كقوله:وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً } [آل عمران: 80].

الخامس: أنها منصوبة على النداء، أي: يا ذرية من حملنا، وهو قول مجاهد وخصَّ الواحديُّ هذا الوجه بقراءة الخطاب في " تتَّخذوا " وهو واضحٌ عليها، إلا أنه لا يلزم، وإن كان مكيٌّ قد منع منه؛ فإنه قال: " فأمَّا من قرأ " لا يتخذوا " بالياء فـ " ذرية " مفعول لا غير، ويبعد النداء؛ لأن الياء للغيبة، والنداء للخطاب، فلا يجتمعان إلا على بعدٍ " وليس كما زعم؛ إذ يجوز أن ينادي الإنسان شخصاً، ويخبر عن آخر، فيقول: " يَا زيْدُ، يَنطلِقُ بَكْرٌ، وفعَلتَ كذا " و " يَا زَيْدُ لِيفْعَلْ عَمرٌو كَيْتَ وكَيْتَ ".

السادس: قال مكيٌّ: وقيل: نصب على إضمار " أعْني ". وقرأت فرقة " ذُريَّةُ " بالرفع، وفيها وجهان:

أحدهما: أنها خبر مبتدأ مضمرٍ تقديره: هم ذريَّة، ذكره أبو البقاء وليس بواضحٍ.

والثاني: أنها بدل من واو " تتخذوا " قال ابن عطية: " ولا يجوز ذلك في القراءة بالتاء، لأنك لا تبدل من ضمير المخاطب، لو قلت: " ضَربْتُكَ زيداً " على البدل، لم يجزْ ".

وردَّ عليه أبو حيَّان هذا الإطلاق، وقال: " ينبغي التفصيل، وهو إن كان بدل بعض أو اشتمال، جاز، وإن كان كلاًّ من كلٍّ، وأفاد الإحاطة؛ نحو: " جِئْتُم كَبِيرُكم وصَغِيركُمْ " جوَّزه الأخفش والكوفيون ".

قال: " وهو الصحيح ".

قال شهاب الدين: وتمثيل ابن عطيَّة بقوله " ضَربْتُكَ زيْداً " قد يدفع عنه هذا الرَّد.

وقال مكيٌّ: " ويجوز الرفع في الكلام على قراءة من قرأ بالياء على البدل من المضمر في " يَتَّخذوا " ولا يحسن ذلك في قراءة التاء؛ لأنَّ المخاطب لا يبدل منه الغائب، ويجوز الخفض على البدل من بني إسرائيل ".

قال شهاب الدِّين: أمَّا الرفع، فقد تقدَّم أنه قرىء به، وكأنه لم يطَّلعْ عليه، وأمَّا الجرُّ فلم يقرأ به فيما علمت، ويرد عليه في قوله " لأنَّ المخاطب لا يبدل منه الغائب " ما ورد على ابن عطيَّة، بل أولى؛ لأنه لم يذكر مثالاً يبيّن مراده، كما فعل ابن عطيَّة.

السابقالتالي
2