الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }

قوله تعالى: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ }.

لما ذكر في الآية المتقدمة ما هو الركن الأعظم في الإيمان، أتبعه بذكر ماهو من شعائر الإيمان وشرائعه، وهي أنواع:

الأول: أن يشتغل الإنسان بعبادة الله سبحانه وتعالى، ويتحرَّز عن عبادة غير الله تعالى.

والقضاءُ: الحكم الجزم البتُّ الذي لا يقبل النسخ؛ لأنَّ الواحد منا، إذا أمر غيره بشيءٍ لا يقال: قضى عليه، فإذا أمره أمراً جزماً، وحكم عليه بذلك على سبيل البتِّ والقطع، فها هنا يقال: قضى عليه، وروى ميمون بن مهران عن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - أنه قال في هذه الآية: كان الأصلُ: " ووصَّى ربُّكَ " ، فالتصقت إحدى الواوين بالصَّاد، فصارت قافاً فقرىء " وقَضَى ربُّكَ ".

ثم قال: ولو كان على القضاء ما عصى الله أحدٌ قط؛ لأنَّ خلاف قضاء الله ممتنعٌ، هذا رواه عنه الضحاك بنُ مزاحم، وسعيد بن جبيرٍ، وهو قراءة عليٍّ وعبد الله.

وهذا القول بعيدٌ جدًّا؛ لأنه يفتح باب أنَّ التحريف والتغيير قد تطرق إلى القرآن، ولو جوَّزنا ذلك، لارتفع الأمانُ عن القرآن، وذلك يخرجه عن كونه حجَّة، وذلك طعنٌ عظيمٌ في الدِّين.

وقرأ الجمهور " قَضَى " فعلاً ماضياً، فقيل: هي على موضوعها الأصلي؛ قال ابن عطية: " ويكون الضمير في " تَعْبدُوا " للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة ".

وقال ابن عبَّاس وقتادة والحسن بمعنى: أمَرَ.

وقال مجاهد: بمعنى: أوصى.

وقال الربيع بن أنسٍ: أوجب وألزم.

وقيل بمعنى: حكم.

وقرأ بعض ولد معاذ بن جبل: " وقضاءُ ربِّك " اسماً مصدراً مرفوعاً بالابتداء، و " ألاَّ تَعْبدُوا " خبره.

قوله تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ }: يجوز أن تكون " أنْ " مفسرة؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القول، و " لا " ناهية، ويجوز أن تكون الناصبة، و " لا " نافية، أي: بأن لا، ويجوز أن تكون المخففة، واسمها ضمير الشأن، و " لا " ناهية أيضاً، والجملة خبرها، وفيه إشكال؛ من حيث وقوع الطَّلب خبراً لهذا الباب، ومثله في هذا الإشكال قوله:أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } [النمل: 8]، وقوله:أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ } [النور: 9] لكونه دعاء، وهو طلبٌ أيضاً، ويجوز أن تكون الناصبة، و " لا " زائدة. [قال أبو البقاء: " ويجوز أن يكون في موضع نصب، [أي:] ألزم ربُّك عبادته و " لا " زائدة " ]. قال أبو حيَّان: " وهذا وهمٌ؛ لدخول " إلاَّ " على مفعول " تَعْبدُوا " فلزم أن يكون نفياً، أو نهياً ".

قوله تعالى: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } قد تقدم نظيره في البقرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد