الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً }

قوله تعالى: { وَءَاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ } الآية.

لما ذكر الله - تعالى - في الآية الأولى إكرامه محمَّداً صلى الله عليه وسلم أنه أسرى به، ذكر في هذه الآية إكرام موسى - عليه السلام - قبله بالكتاب الذي آتاهُ.

وفي " آتيْنَا " ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تعطف هذه الجملة على الجملة السابقة من تنزيه الربِّ تبارك وتعالى، ولا يلزمُ في عطف الجمل مشاركة في خبر ولا غيره.

الثاني: قال العسكريُّ: إنه معطوف على " أسْرَى " واستبعده أبو حيَّان.

ووجه الاستبعادِ: أن المعطوف على الصِّلة صلةٌ، فيؤدِّي التقدير إلى صيرورة التركيب: سبحان الذي اسْرَى وآتينا، وهو في قوة: الذي آتينا موسى، فيعود الضمير على الموصول ضمير تكلُّمٍ من غير مسوِّغٍ لذلك.

والثالث: أنه معطوف على ما في قوله " أسْرَى " من تقدير الخبر، كأنه قال: أسْرَيْنا بعبدنا، وأرَيْناهُ آيَاتنَا وآتَيْنَا، وهو قريبٌ من تفسير المعنى لا الإعراب.

قوله: " وجَعلْنَأهُ " يجوز أن يعود ضميرُ النَّصب للكتاب، وهو الظاهر، وأن يعود لموسى - عليه السلام -.

وقوله: " لبَنِي إسْرائِيلَ " يجوز تعلقه بنفس " هُدًى " كقوله:يَهْدِي لِلْحَقِّ } [يونس: 35]، وأن يتعلق بالجعل، أي: جعلناه لأجلهم، وأن يتعلق بمحذوف نعتاً لـ " هُدًى ".

قوله: " ألاَّ تَتَّخِذُوا " يجوز أن تكون " أنْ " ناصبة على حذف حرف العلَّة، أي: وجعلناه هدًى لئلاَّ تتخذوا. وقيل: " لا " مزيدة، و التقدير: كراهة أن تتخذوا، وأن تكون المفسرة بمعنى " أي " و " لا " ناهية، فالفعل منصوب على الأوَّل، مجزوم على الثاني، وأن تكون مزيدة عند بعضهم، والجملة التي بعدها معمولة لقولٍ مضمرٍ، أي: مقولاً لهم: لا تتخذوا، أو قلنا لهم: لا تتخذوا، قاله الفارسيُّ. وهذا ظاهر في قراءة الخطاب. وهذا مردودٌ بأنه ليس من مواضع زيادة " أنْ ".

وقرأ أبو عمرو " ألاَّ يَتَّخِذُوا " بياء الغيبة؛ جرياً على قوله " لبَنِي إسْرائِيلَ " والباقون بالخطاب التفاتاً. ومعنى الآية: { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }؛ لئلاَّ يتخذوا من دوني وكيلاً أي: ربًّا يكلون إليه أمورهم.

و " أنْ " في قراءة من قرأ بالياء في " ألاَّ يَتَّخِذُوا " في موضع نصب على حذف الخافض، أي: لئلاَّ يتَّخذوا، ومن قرأ بالتاء فتحتمل " أنّ " ثلاثة أوجهٍ:

أن تكون لا موضع لها، وهي التفسيرية.

وأن تكون زائدة، ويكون الكلام خبراً بعد خبر؛ على إضمار القول.

وأن تكون في موضع نصبٍ و " لا " زائدة، وحرف الجرِّ محذوفٌ مع " أن " قاله مكيٌّ.