الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } * { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } * { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً }

قوله - تعالى -: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ } الآية.

" مَنْ " شرطية، و " عَجَّلنا " جوابها، و " ما يشاءُ " مفعولها، و " لِمنْ نُريد " بدل بعضٍ من كلٍّ، من الضمير في " لَهُ " بإعادة العامل، و " لِمَنْ نُريد " تقديره: لمن نريد تعجيله له.

[قوله:] " ثُمَّ جَعلنَا لهُ جهنَّم " " جَعلَ " هنا تصييرية.

وقوله: " يَصْلاهَا " الجملة حال: إمَّا من الضمير في " لَهُ " وإمَّا من " جَهَنَّم " و " مَذمُوماً " حال من فاعل " يَصْلاها " قيل: وفي الكلام حذف، وهو حذف المقابل؛ إذ الأصل: من كان يريد العاجلة، وسعى لها سعيها، وهو كافرٌ لدلالةِ ما بعده عليه، وقيل: بل الأصل: من كان يريد العاجلة بعمله للآخرة كالمنافق.

ومعنى " يَصْلاهَا ": يدخلها.

" مَذمُوماً ": مطروداً، " مَدْحُوراً ": مُبْعَداً.

وقوله: " سَعْيَهَا ": فيه وجهان:

أحدهما: أنه مفعول به؛ لأنَّ المعنى: وعمل لها عملها.

والثاني: أنه مصدر، و " لهَا " أي: من أجلها.

والجملة من قوله: " وهو مُؤمِنٌ " هذه الجملة حال من فاعل " سَعَى ".

قوله تعالى: { كُلاًّ نُّمِدُّ }: " كُلاًّ " منصوب بـ " نُمِدُّ " و " هؤلاء " بدل، " وهؤلاءِ " عطف عليه، أي: كلَّ فريق نمدُّ هؤلاء الساعين بالعاجلة، وهؤلاء الساعين للآخرة، وهذا تقدير جيدٌ، وقال الزمخشري في تقديره: " كلَّ واحدٍ من الفريقين [نُمِدُّ] ". قال أبو حيان: " كذا قدَّره الزمخشري، وأعربوا " هؤلاءِ " بدلاً من " كُلاًّ " ولا يصح أن يكون بدلاً مِنْ " كل " على تقدير: كلَّ واحدٍ؛ لأنَّه إذ ذاك بدل كلٍّ من بعضٍ، فينبغي أن يكون التقدير: كل الفريقين ".

و " مِنْ عطاءِ " متعلقٌ بـ " نُمِدُّ " والعطاء اسم مصدر واقع موقع اسم المفعول.

والمحظور: الممنوعُ، وأصله من الحظر، وهو: جمعُ الشيء في حظيرة، والحظيرة: ما يعمل من شجرٍ ونحوه؛ لتأوي إليه الغنم، والمحتظرُ: من يعمل الحظيرة.

فصل

قال القفال - رحمه الله -: هذه الآية داخلة في معنى قوله:وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [الإسراء: 13]: ومعناه: أن العمَّال في الدنيا قسان:

منهم من يريد بعمله الدنيا والرياسة، فهذا يأنف من الانقياد للأنبياء - عليه الصلاة والسلام -، والدخول في طاعتهم؛ خوفاً من زوال الرِّياسة عنهم، فهذا قد جعل طائر نفسه شؤماً؛ لأنه في قبضة الله؛ فيؤتيه الله في الدنيا منها قدراً لا كما يشاء ذلك الإنسان، بل كما يشاء الله.

السابقالتالي
2 3 4