الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }

قوله: { وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ } الآية.

في تقرير النظم وجوهٌ:

أحدها: أنه تعالى لمَّا بيَّن في الآية المتقدمة ما أوصل إلى الخلق من نعم الدِّين، وهو القرآن، أتبعه بما أوصله إليهم من نعم الدُّنيَا، فقال عزَّ وجلَّ: { وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ } فكما أنَّ القرآن ممتزجٌ من المحكم والمتشابه، فكذلك الزَّمان مشتمل على الليل والنهار، فالمحكم كالنهار، والمتشابه كاللَّيل، وكما أن المقصود من التكليف لا يتمُّ إلاَّ بذكر المحكم والمتشابه، فكذلك الوقت والزَّمان لا يكمل الانتفاع به إلاَّ باللَّيل والنَّهار.

وثانيها: أنه تعالى لما بيَّن أن هذا القرآن يهدي للَّتي هي أقومُ، وليس الأقومُ إلاَّ ذكر الدَّلائلِ الدَّالة على التَّوحيد والنبوَّة، لا جرم أردفهُ بذكر دلائلِ التَّوحيد، وهو عجائبُ العالم العلويِّ والسفليِّ.

وثالثها: أنه لما وصف الإنسان بكونه عجولاً، أي: متنقلاً من صفةٍ إلى صفةٍ، ومن حالةٍ إلى حالةٍ بيَّن أن أحوال كلِّ هذا العالم كذلك، وهو الانتقال من النُّورِ إلى الظلمة وبالضِّد، وانتقال نور القمر من الزيادة إلى النقصانِ.

قوله تعالى: { آيَتَيْنِ }: يجوز أن يكون هو المفعول الأوَّل، و " اللَّيْلَ والنَّهارَ " ظرفان في موضع الثاني، قدِّما على الأول، والتقدير: وجعلنا آيتين في اللَّيل والنَّهار، والمراد بالآيتين: إمَّا الشمسُ والقمر، وإمَّا تكوير هذا على هذا، وهذا على هذا، ويجوز أن يكون " آيَتَيْن " هو الثاني، و " اللَّيْل والنَّهار " هما الأول، ثم فيه احتمالان:

أحدهما: أنه على حذف مضافٍ: إمَّا من الأول، أي:نيِّري الليل والنهار، وهما القمرُ والشمس، وإمَّا من الثاني، أي: ذوي آيتين.

والثاني: أنه لا حذف، وأنهما علامتان في أنفسهما، لهما دلالة على شيء آخر. قال أبو البقاء: " فلذلك أضاف في موضعٍ، ووصف في آخر " يعني أنه أضاف الآية إليهما في قوله " آيَة اللَّيلِ " و " آيَة النَّهارِ " ووصفهما في موضع آخر بأنَّهما آيتان؛ لقوله: { وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ } هذا كلُّه إذا جعلنا الجعل تصييراً متعدِّياً لاثنين، فإن جعلناه بمعنى " خَلَقْنَا " كان " آيَتَيْنِ " حالاً، وتكون حالاً مقدَّرة.

واستشكل بعضهم أن يكون " جَعلَ " بمعنى صيَّر، قال: " لأنَّه يَستَدْعِي أن يكون الليلُ والنهارُ موجودين على حالةٍ، ثم انتقل عنها إلى أخرى ".

فصل في المقصود بـ: " آيتين "

ومعنى " آيَتَيْنِ " أي: علامتين دالَّتيْنِ على وجودنا، ووحدانيتنا، وقُدْرتِنَا.

قيل: المراد من الآيتين نفس الليل والنهار، أي أنَّه تعالى جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدِّين والدنيا.

أمَّا في الدِّين فلأنَّ كلَّ واحد منهما مضادٌّ للآخر، مغاير له، مع كونهما متعاقبين على الدَّوام من أقوى الدلائل على أنهما غير موجودتين بذاتيهما، بل لا بُدَّ لهما من فاعل يدبِّرهما، ويقدِّرهما بالمقادير المخصوصة.

السابقالتالي
2 3