الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

قوله تعالى: { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } الآية.

قال النحويُّون: " سُبْحَانَ " اسم علم للتَّسبيح يقال: سبحت تسبيحاً فالتسبيح هو المصدر، وسبحان اسم على للتسبيح؛ كقوله: " كَفَّرتُ اليمينَ تَكْفيراً وكُفْراناً " ، وتقدَّم الكلام عليه في أول البقرة، ومعناه تنزيه الله عن كلِّ سوء.

والنصبُ على المصدر، كأنه وضع موضع " سبَّحت الله تسبيحاً " وهو مفرد، إذا أفرد، وفي آخره زائدتان: الألف والنون، فامتنع من الصرف؛ للتقدير والزيادتين.

وعن سيبويه أنَّ من العرب من ينكِّرهُ؛ فيقول: " سُبْحَاناً " بالتنزيه.

وقال أبو عبيدٍ: لا ينتصب على النِّداء، فكأنه قال: " يا سُبْحانَ الله، يا سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبدِه ".

قال القرطبي: سُبْحانَ، اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن؛ لأنَّه لا يجري بوجوه الإعراب، ولا يدخل فيه الألف واللام، ولم يجر منه فعلٌ، ولم ينصرف؛ لأنَّ في آخره زائدتين، ومعناه التنزيهُ، والبراءة لله، فهو ذكر؛ فلا يصلح لغيره، فأمَّا قول من قال: [السريع]
3373- أقُولُ لمَّا جَاءنِي فَخرُهُ   سُبحَانَ مِنْ عَلْقمَةَ الفَاخِرِ
فإنما ذكره على طريق النَّادر.

روى طلحة بن عبيد الله أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: " ما مَعْنَى سبحان لله " فقال: " تَنْزيهُ الله عن كُلِّ سُوءٍ ".

وقال صاحبُ النظم: " السَّبح في اللغة التباعد؛ قال تعالى:إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } [المزمل: 7] أي: تباعداً طويلاً فمعنى " سَبح ": تنزيهه عمَّا لا ينبغي ".

وللتَّسبيح معانٍ أخر؛ قد يكون بمعنى الصلاة؛ كقوله:فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } [الصافات: 143] أي المصلِّين والسبحة: صلاة النافلة، وإنما قيل للمصلِّي: " مُسَبِّح "؛ لأنه معظم لله بالصلاة، ومنزِّهٌ له عمَّا لا ينبغي.

وقد يرد التسبيح بمعنى الاستثناء؛ كقوله تعالى:قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } [القلم: 28] أي تستثنون.

وتأويله أيضاً يعود إلى تعظيم الله في الاستثناء بمشيئته، وجاء في الحديث: " لأحْرقَتْ سُبحَاتُ وجْهِه " قيل: معناه: وجهه وقيل: معناه: نور وجهه الذي إذا رآه الرّائي، قال: " سبحان الله ". ويكون " سُبْحَانَ الله " بمعنى التعجُّب.

وقوله: " أسْرَى " و " سَرَى " لغتان، وتقدَّم الكلام عليهما في سورة هود [آية: 81]، وأن بعضهم خصَّ " أسْرَى " باللَّيل.

قال الزمخشريُّ هنا: فإن قلت: الإسراء لا يكون إلاَّ ليلاً؛ فما معنى ذكر الليل؟.

قلت: أراد بقوله " ليلاً " بلفظ التنكير، تقليل مدَّة الإسراءِ، وأنه أسْرِي به في بعض الليل، من " مكَّة " إلى " الشام " مسيرة أربعين ليلة؛ وذلك أنَّ التنكير دلَّ على البعضيَّة، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة " من اللَّيل " ، أي: بعضه؛ كقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10