الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ } الآية لما شرح الوعد، والوعيد، والتَّرغيب، والتَّرهيب، أتبعه بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ } فجمع في هذه الآية ما يتصل بالتكاليف؛ فرضاً، ونفلاً، وما يتصل بالأخلاق، والآداب: عموماً وخصوصاً.

روى ابن عباس - رضي الله عنه-: أن عثمان بن مظعون الجمحيَّ قال: ما أسلمتُ أولاً إلاَّ حياء من محمد - صلوات الله وسلامه عليه - ولم يتقرر الإسلام في قلبي فحضرته ذات يوم، فبينما هو يحدِّثني، إذ رأيت بصره شخص إلى السماءِ، ثم خفضه عن يمينه، ثم عاد لمثل ذلك؛ فسألته - صلوات الله وسلامه عليه - فقال: " بينما أنا أحدِّثك إذ بجبريل - صلوات الله وسلامه عليه - ينزل عن يميني، فقال: يا محمد، إنَّ الله - تعالى - يأمرك بالعدل: شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان: القيام بالفرائض، وإيتاء ذي القربى، أي: صلة القربى، وينهى عن الفحشاء: الزِّنا، والمنكرِ: ما لا يعرف في شريعة، ولا سنة، والبغي: الاستطالة ". قال عثمان: فوقع الإيمان في قلبي، فأتيت أبا طالب؛ فأخبرته، فقال: يا معشر قريش، اتَّبعُوا ابن أخي؛ ترشدوا، ولئن كان صادقاً أو كاذباً، فإنه ما يأمركم إلا بمكارم الأخلاق، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم من عمه اللِّين قال: يا عمَّاه، أتأمر الناس أن يتَّبعوني، وتدع نفسك! وجهد عليه؛ فأبى أن يسلم؛ فنزل:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56].

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - " إنَّ أجمع آيةٍ في القرآن لخيرٍ وشرٍّ هذه الآية ".

وعن قتادة: ليس في القرآن من خلقٍ حسنٍ، كان في الجاهلية يعمل، ويستحسن، إلاَّ أمر الله - تعالى - به في هذه الآية، وليس من خلقٍ سيِّىءٍ، إلاَّ نهى عنه في هذه الآية.

وعن عليٍّ - رضي الله عنه - أنه قال: " أمر الله - تعالى - نبيَّهُ أن يعرض نفسه على قبائل العرب؛ فخرج، وأنا معه وأبو بكرٍ - رضي الله عنه - فوقفنا على مجلسٍ عليهم الوقارُ، فقال أبُو بكر - رضي الله عنه-: ممَّن القوم؟ فقالوا: من شيبان، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشهادتين إلى أن ينصروه؛ فإنَّ قريشاً كذَّبوه، فقال مقرون بن عمرو: إلام تدعونا، أخا قريش؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإِحْسَانِ } الآية فقال مقرون: دعوت والله، إلى مكارم [الأخلاق] ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قومٌ كذَّبوك، وظاهروا عليك ".

فصل

قال ابن عباسٍ - رضي الله عنه-: العدلُ: التوحيدُ، والإحسانُ: أداءُ الفرائضِ، وعنه: العدلُ: الإخلاصُ في التوحيد، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد