الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } الآية.

وهذا نوع آخر من التَّهديد، والأمة عبارة عن القرن والجماعة، والمراد أن كلَّ نبيٍّ شاهدٌ على أمَّته؛ لأن الأنبياء كانت تبعث إلى الأمم من أنفسهم لا من غيرهم.

وقيل: المراد أن كل جمع وقرن يحصل في الدنيا، فلا بدَّ وأن يحصل فيهم واحدٌ يكون شهيداً عليهم، أمَّا الشَّهيد على الذين كانوا في عصر الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - فهو الرسول؛ لقوله - تعالى -:وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143] وقوله: { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ }.

وقال الأصم: المراد بالشَّهيد هو أنَّه - تعالى - ينطق عشرة من أعضاء الإنسان تشهد عليه، وهي: الأذنان، والعينان، والرجلان، واليدان، والجلد واللسان.

قال: والدَّليل عليه أنه قال في صفة الشَّهيد أنَّه من أنفسهم، وهذه الأعضاء لا شكَّ أنها من أنفسهم.

وأجاب القاضي عنه: بأنه - تعالى - قال: { شَهِيداً عَلَيْهِم } ، أي: على الأمَّة، فيجب أن يكون غيرهم، وأيضاً قال: " مِنْ كل أمةٍ " فيجب أن يكون ذلك الشَّهيد من الأمَّة، وآحاد الأعضاء لا يصح وصفها أنها من الأمة، وأما حمل الشهداء على الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - فبعيد؛ لأن كونهم مبعوثين إلى الخلق أمر معلوم بالضَّرورة، فلا فائدة في حمل هذه الآية عليه.

قوله: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً } يجوز أن يكون " تِبْيَاناً " في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله، وهو مصدر ولم يجىء من المصادر على هذه الزِّنة إلا لفظتان: هذا والتِّلقاء، وفي الأسماء كثيراً، نحو " التِّمساح والتِّمثال " وأما المصادر فقياسها فتح الأول؛ دلالة على التكثير كـ " التَّطوافِ " و " التَّجْوالِ ".

وقال ابن عطية: إنَّ " التِّبْيَان " اسمٌ وليس بمصدر والنحويُّون على خلافه.

قال شهاب الدين - رحمه الله -: وقد رَوَى الواحديُّ بإسناده، عن الزجاج أنه قال: " التِّبيان " اسمٌ في معنى البيان.

وجه تعلُّق هذا الكلام بما قبله: أنه - تعالى - قال: { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } أي: أنه أزاح علتهم فميا كلِّفوا، فلا حجَّة لهم ولا معذرة.

وقال نفاةُ القياس: دلَّت هذه الآية على أنَّ القرآن تبْيَانٌ لكل شيءٍ، والعلوم إمَّا دينية، أو غير دينية، فالتي ليست دينية، لا تعلُّق لها بهذه الآية؛ لأنَّا نعلمُ بالضرورة أنه تعالى إنما مدح القرآن بكونه مشتملاً على علوم الدين، وأمَّا غير ذلك، فلا التفاتَ إليه، وأما علومُ الدِّين: فإمَّا الأصول، وإما الفروع.

فأما علم الأصول: فهو بتمامه موجودٌ في القرآن.

وأما علم الفروع: فالأصل براءة الذِّمَّة، إلا ما ورد على سبيل التفصيل في هذا الكتاب، وذلك يدلُّ على أنه لا تكليف من الله إلاَّ ما ورد في هذا القرآن، وإذا كان كذلك، كان القول بالقياس باطلاً، وكان القرآن وافياً بتبيان كل الأحكام.

السابقالتالي
2