الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ }

قوله: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } الآية لما بيَّن أنهم عرفوا نعمة الله ثمَّ أنكروها، وذكر أن أكثرهم كافرون أتبعه بذكر الوعيد؛ فذكر حال يوم القيامة.

قوله: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ } فيه أوجه:

أحدها: منصوب بإضمار " اذْكُرْ ".

الثاني: بإضمار " خوفهم ".

الثالث: تقديره: ويوم نبعث، وقعوا في أمر عظيم.

الرابع: أنه معطوف على ظرف محذوف، أي: ينكرونها اليوم ويوم نبعث.

والمراد بأولئك الشهداء: الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم؛ كما قال - سبحانه وتعالى -:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [النساء: 41].

قوله: { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال الزمخشري: " فإن قلت: ما معنى " ثُمَّ " هذه؟ قلت: معناه: أنهم يُمْنَعُونَ بعد شهادة الأنبياء عليه السلام بما هو أطمّ منه، وهو أنهم يمنعون الكلام، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا [إدلاء] حجة ". انتهى.

ومفعول الإذن محذوف، أي: لا يؤذن لهم في الكلام؛ كما قال - تعالى-:وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 36] أي: في الرُّجوع إلى الدنيا.

وقيل: لا يؤذنُ لهم في الكلام أصلاً، { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي: لا تزال عتابهم وهي ما يعتبون عليها ويلامون؛ يقال: اسْتَعْتَبْتُ فلاناً بمعنى: أعْتَبْتُه، أي: أزلت عُتْبَاه، و " اسْتَفْعَل " بمعنى: " أفْعَلَ " غير مستنكرٍ، قالوا: اسْتدنَيتُ فلاناً وأدْنَيتهُ بمعنًى واحد.

وقيل: السِّين على بابها من الطَّلب، ومعناه: أنهم لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدُّنيا، فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم.

وقال الزمخشري " ولا هم يسترضون، أي: لا يقال لهم: أرضوا ربكم؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل ". وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله - تعالى - في سورة حم السجدة؛ لأنه أليق لاختلاف القراء فيه. ثم إنَّه - تعالى - أكَّد هذا الوعيد فقال: { وَإِذَا رَأَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } أي: أن هؤلاء المشركين إذا رأوا العذاب ووصلوا إليه، فعند ذلك { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } ولا يؤخِّرون ولا يمهلون؛ لأن التوبة هناك غير موجودة.

قوله: " فَلا يُخَفَّفُ " هذه الفاء وما حيِّزها جواب " إذَا " ، ولا بدَّ من إضمار مبتدأ قبل هذه الفاء، أي: فهو لا يخفف؛ لأن جواب " إذا " متى كان مضارعاً، لم يحتج إلى فاء سواء كان موجباً؛ كقوله - تعالى -:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ } [الحج: 72] أم منفيًّا؛ نحو: " إذَا جَاءَ زَيْدٌ لا يكرمك ".

قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } وهذا من بقيَّة وعيد المشركين، وفي الشركاء قولان:

الأول: أن الله - تعالى -: يبعث الأصنام فتكذِّب المشركين، ويشاهدونها في غاية الذُّلِّ والحقارة، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغمِّ والحسرة في قلوبهم.

السابقالتالي
2 3