الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

ثم ضرب مثلاً للمؤمن والكافر؛ فقال - تعالى-: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } ، هذا مثل الكافر رزقه الله مالاً فلم يقدم فيه خيراً.

قوله: { وَمَن رَّزَقْنَاهُ } يجوز في " مَنْ " هذه أن تكون موصولة، وأن تكون موصوفة، واختاره الزمخشري رحمه الله، قال: " كأنه قيل: وحرًّا رزقناه ليطابق عبداً " ومحلها النصب على " عَبْداً " ، وقد تقدَّم الكلام [إبراهيم: 24] في المثل الواقع بعد " ضَرَب ".

وقوله: { سِرّاً وَجَهْراً } يجوز أن يكون منصوباً على المصدر، أي: إنفاق سرٍّ وجهر، ويجوز أن يكون حالاً.

وهذا مثل المؤمن من أعطاه الله مالاً، فعمل فيه بطاعةِ الله وأنفقه في رضاه سرًّا وجهراً، فأثابه الله عليه الجنَّة.

قوله تعالى: { هَلْ يَسْتَوُونَ } إنَّما جميع الضمير وإن تقدَّمه ثنان؛ لأنَّ المراد: جنس العبيد والأحرار المدلول عليهما بـ " عَبْداً " وبـ " مَن رزقنَاهُ ".

وقيل: على الأغنياء والفقراء المدلول عليهما بهما أيضاً، وقيل: اعتباراً بمعنى " مَنْ " فإنَّ معناها جمع فراعى معناها بعد أن راعى لفظها.

فصل

قيل: المراد بقوله: { عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } هو الصَّنم؛ لأنَّه عبد بدليل قوله:إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ ءَاتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [مريم: 93] وهو مملوك لا يقدر على شيء، والمراد بقوله: { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً }: عابد الصَّنم؛ لأن الله - تعالى - رزقه المال، فهو ينفقُ منه على نفسه وعلى أتباعه سرًّا وجهراً فهما لا يتساويان في بديهة العقل، بل صريح العقل شاهدٌ بأن عابد الصَّنم أفضل من الصَّنم، فكيف يجوز الحكم بأنه مساوٍ لربِّ العالمين في المعبوديَّة؟.

وقيل: المراد بالعبد: المملوك عبد معيَّن، قيل: أبو جهل، وبـ { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -.

وقيل: عامٌّ في كل عبد بهذه الصفة، وفي كل حرٍّ بهذه الصفة.

فصل

دلَّت هذه الآية على أن العبد لا يملك شيئاً.

فإن قيل: دلَّت الآية على أنَّ عبداً من العبيد لا يقدر على شيءٍ، فلم قلتم: إن كل عبد كذلك؟.

فالجواب: أنه ثبت في أصول الفقه: أن الحكم المذكور عقيب الوصف المناسب يدلُّ على كون ذلك الوصف علَّة لذلك الحكم، وكونه عبداً وصفٌ مشعرٌ بالذلِّ والمقهورية وقوله: { لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } حكم مذكور عقيبه، وهذا يقتضي أنَّ العلَّة لعدم القدرة على شيءٍ، هو كونه عبداً، وأيضاً قال بعده: { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } [فميز هذا القسم الثاني عن القسم الأول، وهو العبد بهذه الصفة، وهو أنه رزقه رزقاً حسناً] فوجب ألا يحصل هذا الوصف للعبد، حتَّى يحصل الامتيازُ بين الثاني وبين الأوَّل، ولو ملك العبد، لكان الله قد آتاهُ رزقاً حسناً؛ لن الملك الحلال رزق حسن.

السابقالتالي
2 3 4