الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً } الآية اعلم أنَّ المقصود الأعظم من هذا القرآن العظيم تقرير أصول أربعة: الإلهيَّات، والنبوات، والمعاد، وإثبات القضاء والقدر، والمقصود الأعظم من هذه الأصول الأربعة: تقرير الإلهيَّات، فلهذا السَّبب كلَّما امتد الكلام في فصل من الفصول، عاد إلى تقرير الإلهيَّات، فههنا لمَّا امتد الكلام في وعيد الكفار، عاد إلى تقرير الإلهيَّات، فقال: { وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً } وقد تقدَّم تقرير هذه الدَّلائلِ.

وقال تعالى: { إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } سماع إنصاف وتدبُّر؛ والمراد: سماع القلوب لا سماع الآذان.

والنوع الثاني من الدَّلائلِ: الاستدلالُ بعجائب أحوالِ الحيواناتِ.

قوله تعالى: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ } والعِبرةُ: العِظةُ.

قرأ ابن كثير، و أبو عمرو، وحفص عن عاصم، وحمزة والكسائي " نُسْقِيكمْ " بضمِّ النون هنا، وفي المؤمنين، والباقون بفتح النون فيهما.

وهذه الجملة يجوز أن تكون مفسِّرة للعبرة، كأنه قيل: كيف العبرة؟ فقيل: نسقيكم من بين فرثٍ، ودم لبناً خالصاً، ويجوز أن يكون خبراً لمبتدأ، [مضمر]، والجملة جواب لذلك السؤال، أي: هي، أي: العبرة نسقيكم، ويكون كقوله: " تَسْمعُ بالمُعيْديِّ خَيرٌ مِنْ أن تَراهُ ".

واختلف النَّاس: هل سَقَى، وأسْقَى لغتان بمعنى واحدٍ، أم بينهما فرقٌ؟.

خلافٌ مشهورٌ، فقيل: هما بمعنى واحد، وأنشد جمعاً بين اللغتين فقال: [الوافر]
3333- سَقَى قَومِي بَنِي مَجْدٍ وأسْقَى   نُمَيْراً والقَبائِلَ من هِلال
دعى للجميع بالسقي، والخصب، و " نُمَيْراً " هو المفعول الثاني، أي: ما نميراً، وقال أبو عبيدة: مَنْ سقى الشَّفة: " سقى " فقط، ومن سقى الشجر والأرض: " أسقى " ، وللداعي لأرض بالسقيا وغيرها: أسقى فقط.

وقال الأزهري - رحمه الله -: العرب تقول لكلِّ ما كان من بطُونِ الأنعام، ومن السَّماء، أو نهر يجري أسقيته، أي: جعلته شرباً له، وجعلت له منه مسقى، فإذا كان للمنفعة قالوا: " سَقَى " ، ولم يقولوا: " أسْقَى ".

وقال الفارسيُّ: " سَقيْتهُ حتَّى رَوِيَ، وأسْقَيتهُ نَهْراً جَعَلتهُ لَهُ شرباً ".

وقيل: سقاهُ إذا ناوله الإناء؛ ليشرب منه، ولا يقال من هذا أسقاه.

وقرأ أبو رجاء " يُسْقِيكُمْ " بضمِّ الياء من أسفل، وفي فاعله وجهان:

أحدهما: هو الله - تعالى -.

والثاني: أنه ضمير النَّعم المدلول عليه بالأنعام، أي: نعماً يجعل لكم سقياه.

وقرىء: " تَسْقِيكُمْ " بفتح التاء من فوق. قال ابن عطيَّة: وهي ضعيفة.

قال أبو حيَّان: " وضعفها عنده - والله أعلم - أنه أنَّث في: " نُسقِيكُم " وذكر في قوله: " ممَّا في بطُونهِ " ، ولا ضعف من هذه الجهة؛ لأنَّ التَّذكير، والتَّأنيث باعتبارين ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9