الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } * { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله: { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً } الآية لما بيَّن فساد قول أهل الشرك بالدلائل القاهرة، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم.

قوله: { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } الضمير في قوله: " يَعْلمُونَ " يجوز أن يعود للكفار، أي: لما يعلم، ومعنى " لا يَعْلمُونَ " أنهم يسمُّونها آلهة، ويعتقدون أنَّها تضرُّ، وتنفع، وتشفع؛ وليس الأمر كذلك.

ويجوز أن تكون للآلهة، وهي الأصنام، أي: الأشياء غير موصوفةٍ بالعلم.

قال بعضهم: والأوَّل أولى؛ لأنَّ نفي العلم عن الحي حقيقةٌ، وعن الجمادِ مجازٌ، وأيضاً: الضمير في " ويَجْعَلُونَ " عائدٌ غلى المشركين، فكذلك في قوله { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } ، وأيضاً فقوله: { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } جمعٌ بالواو والنون؛ وهو بالعقلاءِ أليق منه بالأصنام.

وقيل: الثاني أولى؛ لأنَّا إذا أعدناه إلى المشركين؛ افتقرنا إلى إضمار؛ فإن التقدير: ويجعلون لما لا يعلمون إلهاً، أو لما لا يعلمون كونه نافعاً ضارًّا، وإذا أعدناه إلى الأصنام، لم نفتقر إلى الإضمار؛ لأن التقدير: ويجعلون لما لا علم لها.

وأيضاً: لو كان هذا العلم مضافاً إلى المشركين، لفسد المعنى؛ لأنه من المحال أن يجعلوا نصيباً مما رزقهم، لما لا يعلمونه.

فإذا قلنا بالقول الأول، احتجنا إلى الإضمار، وذلك يحتمل وجوهاً:

أحدها: ويجعلون لما لا يعلمون له حقًّا، ولا يعلمون في طاعته [نَفْعاً]، ولا في الإعراضِ عنه ضُرًّا.

قال مجاهدٌ: يعلمون أنَّ الله خلقهم ويضرُّهم وينفعهم، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنَّه ينفعهم، ويضرُّهم نصيباً.

وثانيها: ويجعلون لما لا يعلمون إلهيَّتها.

وثالثها: ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها آلهة معبودة.

قوله " نَصِيباً " هو المفعول الأول للجعل، والجارُّ قبله هو الثاني، أي: ويصيِّرون الأصنام.

[وقوله:] { مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ } يجوز أن يكون نعتاً لـ " نَصِيباً " وأن يتعلق بالجعل؛ فـ " مِنْ " على الأول للتبعيض، وعلى الثاني للابتداء.

فصل

في المراد بالنصيب احتمالات:

أحدها: أنهم جعلوا لله نصيباً من الحرثِ، والأنعامِ؛ يتقرَّبون به إلى الله، ونصيباً للأصنام؛ يتقربون به إليها، كما تقدم في آخر سورة الأنعام.

والثاني: قال الحسنُ - رحمه الله -: المراد بهذا النصيب: البَحِيرةُ، و السَّائبَةُ، والوَصِيلةُ، والحَامِ.

والثالث: ربما اعتقدوا في بعض الأشياء، أنَّه لما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام، كما أنَّ المنجمين يوزِّعون موجودات هذا العالم على الكواكب السبعة، فيقولون: لرجلٍ كذا وكذا من المعادن، والنبات، والحيوان، وللمشتري أشياء أخرى.

ثمَّ لمَّا حكى عن المشركين هذا المذهب، قال: { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ } وهذا في هؤلاء الأقوام خاصة بمنزلة قوله:فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الحجر:92، 93]، فأقسم الله سبحانه وتعالى - جل ذكره - على نفسه أنَّه يسألهم، وهذا تهديد شديد؛ لأن المراد من هذا أنه يسألهم سؤال توبيخٍ، وتهديدٍ، وفي وقت هذا السؤال احتمالان:

الأول: أنه يقع هذا السؤال عند قرب الموت، ومعاينة ملائكة العذاب، وقيل: عند عذاب القبر، وقيل: في الآخرةِ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد