الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } * { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } * { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } * { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } * { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } الآية قرأ الأخوان: " تَرَوْا " بالخطاب جرياً على قوله: " فإنَّ ربَّكُمْ ".

والباقون: بالياء جرياً على قوله:أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ } [النحل: 45].

وأما قولهأَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلطَّيْرِ } [الملك: 19] فقراءة حمزة أيضاً بالخطاب، ووافقه ابن عامر فيه؛ فحصل من مجموع الآيتين: أنَّ حمزة بالخطاب فيهما، والكسائي بالخطاب في الأولى، والغيبة في الثانية، وابن عامر بالعكس، والباقون: بالغيبة فيهما.

وأما توجيهُ الأولى فقد تقدم، وأما الخطاب في الثانية؛ فجرياً على قوله تعالى:وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } [النحل: 78] وأمَّا الغيبة؛ فجرياً على قوله تعالىوَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [النحل: 73] إلى آخره، وأمَّا تفرقة الكسائي، وابن عامرٍ بين الموضعين؛ فجمعاً بين الاعتبارين، وأنَّ كلاًّ منهما صحيح.

فصل

لمَّا خوَّف المشركين بأنواع العذاب المتقدمةِ، أردفه بما يدلُّ على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي، والسفلي؛ ليظهر لهم أنَّ مع كمال هذه القدرة القاهرة والقوة الغير متناهية، كيف يعجز عن إيصال العذاب إليهم؟ وهذه الرؤية لما كانت بصرية وصلت بـ " إلى "؛ لأن المراد بها الاعتبارُ، والاعتبار لا يكون بنفس الرؤية، حتى يكون مع النظر إلى الشيء الكامل في أحواله.

قوله: { مِن شَيْءٍ } هذا بيان لـ " مَا " في قوله: { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } فإنها موصولة بمعنى الذي.

فإن قيل: كيف يبين الموصول وهو مبهم بـ " شيء " وهو مبهم؛ بل أبهم ممَّا قبله؟.

فالجواب: أن شيئاً قد اتضح، وظهر بوصفه بالجملة بعده؛ وهي: " يَتفيَّؤ ظِلالهُ ".

قال الزمخشري: و " مَا " موصولة بـ " خَلقَ الله " وهو مبهمٌ؛ بيانه في قوله { مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ }.

وقال ابن عطية: " مِنْ شيءٍ " لفظ عامٌّ في كل ما اقتضته الصفة من قوله: " يتَفيَّؤُ ظِلالهُ ".

فظاهر هاتين العبارتين: أن جملة " يَتَفيَّؤ ظِلالهُ " صفة لـ " شَيءٍ " فأما غيرهما؛ فإنه قد صرح بعدم كون الجملة صفة؛ فإنه قال: والمعنى: من كل شيءٍ له ظلٌّ من جبل، وشجر، وبناء، وجسم قائم، وقوله " يَتفيَّؤُ ظِلالهُ " إخبار من قوله " مِنْ شَيءٍ " ليس بوصف له، وهذا الإخبار يدلُّ على ذلك الوصف المحذوف الذي تقديره: هو له ظل. وفيه تكلف لا حاجة إليه، والصفة أبين و " مِنْ شيءٍ " في محل نصبٍ على الحالِ من الموصول، أو متعلق بمحذوف على جهة البيان؛ أعني: من شيء.

والتَّفَيُّؤ: تَفعُّلٌ من فَاءَ يَفِيءُ، أي: رَجَعَ، و " فاء ": قاصر فإذا أريد تعديته عدِّي بالهمزة كقولهمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد