قوله: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } الآية هذه شبهة رابعة لمنكري النبوة، وهو قولهم: بأنَّ الحشر، والنشر، باطلٌ، لأن هذه البِنْيَة إذا مات صاحبها، وتفرقت أجزاؤه، امتنع عوده بعينه، وإذا بطل القول بالبعث، بطل القول بالنبوة من وجهين: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى تقرير القول بالمعاد، وهو باطل؛ فيكون داعياً إلى الباطل؛ ومن كان كذلك لم يكن رسولاً. والثاني: أنه يقرر نبوة نفسه، ووجوب طاعته؛ بناء على الترغيب في الثواب والترهيب من العقاب، وإذا بطل ذلك، بطلت نبوته. فقوله: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ }. معناه: أنهم كانوا يدعون العلم الضروريَّ بأن الشيء إذا فني وعدم، فإنه لا يعود بعينه، وأن عوده بعينه محال في بديهة العقل. وأمَّا بيان أنَّه لما أبطل القول بالبعث بطل القول بالنبوة، فلم يصرِّحوا به، فتركوه، لأنَّه كلام متبادر إلى العقول، ثمَّ إنه تعالى بيَّن أنَّ القول بالبعث ممكن؛ فقال: " بَلَى وعْداً عليْهِ حَقًّا " أي حق على الله التمييز بين المطيع، والعاصي، وبين المحق، والمبطل، وبين المظلوم، والظالم؛ وهو قوله تعالى: { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } وسيأتي بيان تقرير هذه الطريقة في سورة " يس " إن شاء الله تعالى، ثم بين إمكان الحشر، والنشر؛ بأن كونه - تعالى - موجداً للأشياء، لا يتوقف على سبق مادة، ولا مدة، ولا آلة؛ وهو تعالى إنما يكونها بقوله: " كُنْ ". فقال: { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وكما أنه قدر على ابتداء إيجاده؛ وجب أن يكون قادراً على إعادته. قوله: " وأقْسَمُوا " ظاهره أنه استئناف خبر، وجعله الزمخشريُّ نسقاً على { وقَالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا } إيذاناً بأنهما كفرتان عظيمتان، وقوله " بَلَى " إثبات لما بعد النفي. قوله { وعْداً عَليْهِ حقًّا } هذان المصدران منصوبان على المصدر المؤكد، أي: وعد ذلك وعداً وحق حقًّا. وقيل: " حقًّا " نعت لـ " وعْداً " والتقدير: بلى يبعثهم، وعد بذلك وعداً حقًّا. وقرأ الضحاك: { وعْد عَليْهِ حَقٌّ } برفعهما؛ على أنَّ " وعْدٌ " خبر مبتدأ مضمر، أي: بلى يبعثهم وعد على الله، و " حَقٌّ " نعت لـ " وعْدٌ ". قوله: " لِيُبَيِّنَ " هذه اللام متعلقة بالفعل المقدَّر بعد حرف الإيجاب، أي: بلى يبعثهم، ليبيَّن، وقوله " كُنْ فَيكُونُ " تقدم في البقرة، " واللام " في " لِشيْءٍ " وفي " لَهُ " لام التبليغ؛ كهي في قوله قلت لهُ قُمْ فقَامَ، وجعلها الزجاج للسبب فيهما، أي: لأجل شيء أن يقول لأجله، وليس بواضح.