الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } * { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قوله تعالى: { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } الآية.

هذه شبهة ثانية لمنكري النبوة؛ فإنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل الله ملكاً من السماء؛ يشهد على صدقه في ادِّعاء النبوة؛ فقال تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ } في التصديق بنبوتك { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلآئِكَةُ } شاهدين بذلك، ويحتمل أنَّ القوم لما طعنوا في القرآن بقولهم: { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } وذكر أنواع التهديد، و الوعيد، ثم أتبعه بذكر الوعد لمن وصف القرآن بكونه خيراً، عاد إلى بيان أنَّ أولئك الكفار لا ينزجرون عن كفرهم، وأقوالهم الباطلة بالبيانات التي ذكرناها، إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد، أو أتاهم أمر ربِّك، وهو عذاب الاستئصال، وعلى كلا التقديرين قال تعالى: { كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، أي: أفعال هؤلاء، وكلامهم يشبهُ كلام الكفار المتقدمين وأفعالهم، وتقدم الكلام على قوله:إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [الأنعام: 158] في آخر الأنعام، وأنَّ الأخوين يقرآن بالياء من تحت، و الباقين بالتاء من فوق، وهما واضحتان؛ لكونه تأنيثاً مجازيًّا.

قوله: { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بتعذيبه إياهم، فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ولكنهم ظلموا أنفسهم؛ بكفرهم، وتكذيبهم الرسل.

{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي: عقاب سيئات ما عملوا، فقوله: " فأصَابَهُمْ " عطف على " فَعلَ الَّذينَ " وما بينهما اعتراضٌ، " وَحَاقَ " نزل " بِهِمْ " على وجه الإحاطة بجوانبهم، { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: عقاب استهزائهم.

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا } الآيات.

هذه شبهة ثالثة لمنكري النبوة لأنهم تمسكوا بالقول بالجبر على الطَّعن في النبوة؛ فقالوا: لو شاء الله الإيمان، لحصل لنا سواء جئت، أو لم تجىء، ولو شاء الكفر لحصل الكفر، جئت أو لم تجىء، فالكلُّ من الله، ولا فائدة في مجيئك ولا في إرسالك وهذا غير ما حكاه الله عنهم في سورة الأنعام في قوله:سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } [الأنعام: 148].

واستدلال المعتزلة به، مثل استدلالهم بتلك الآية، والكلام فيه استدلال واعتراض عين ما تقدم هناك، فلا فائدة، ولا بأس بأن نذكر منه القليل، فنقول: الجواب عن هذه الشبهة هي: أنَّهم قالوا: لما كان الكل من الله - تعالى - كانت بعثة الأنبياء عبثاً؛ فنقول: هذا اعتراضٌ - على الله - تعالى فإن قولهم: إذا لم يكن في بعثة الرسول مزيد فائدة في حصول الإيمان، ودفع الكفر؛ كانت بعثة الأنبياءِ غير جائزة من الله - تعالى -.

فهذا القول جارٍ مجرى طلب العلةِ في أحكام الله - تعالى - وفي أفعاله، وذلك باطلٌ؛ بل الله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ولا يعترض عليه في أفعاله.

السابقالتالي
2 3