الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } الآيات.

لمَّا قرر دلائل التوحيد، وأبطل مذاهب عبدة الأصنام، ذكر بعد ذلك شبهات منكري النبوة مع الجواب عنها.

فالشبهة الأولى: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتجَّ على صحة بعثته بكون القرآن معجزة؛ طعنوا فيه، وقالوا: إنه أساطير الأولين، واختلفوا في هذا القول.

فقيل: هو كلام بعضهم لبعض.

وقيل: قول المسلمين لهم.

وقيل: قول المقتسمين الذين اقتسموا [مكَّة] ومداخل مكة؛ ينفِّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاجِّ عمَّا أنزل الله على رسوله.

قوله: " مَاذَا " تقدم الكلام عليها أول البقرة.

وقال الزمخشريُّ: " أو مرفوعٌ بالابتداءِ، بمعنى أي شيء أنزله ربُّكم ".

قال أبو حيَّان: " وهذا غيرُ جائزٍ عند البصريِّين ". يعني: من كونه حذف عائده المنصوب، نحو " زَيْدٌ ضَربْتُ " وقد تقدم خلاف النَّاس في هذا، والصحيح جوازه، والقائم مقام الفاعل، قيل: الجملة من قوله { مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ } لأنها المقولة، والبصريون يأبون ذلك، ويجعلون القائم مقامه ضمير المصدر؛ لأنَّ الجملة لا تكون فاعلة، ولا قائمة مقام الفاعل، و الفاعل المحذوف: إمَّا المؤمنون، وإما بعضهم، وإمَّا المقتسمون.

وقرىء " أسَاطيرَ " بالنصب على تقدير: أنزل أساطير، على سبيل التهكُّم، أو ذكرتم أساطير.

والعامة برفعه على أنَّه خبر مبتدأ مضمر فاحتمل أن يكون التقدير: المنزَّل أساطير على سبيل التَّهكُّم، أو المذكور أساطير، وللزمخشريُّ هنا عبارة [فظيعة].

قوله " لِيَحملُوا " لمَّا حكى شبهتهم قال: " لِيَحْمِلُوا " وفي هذه اللام ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أنها لامُ الأمر الجازمة على معنى الحتم عليهم، والصغار الموجب لهم، وعلى هذا فقد تمَّ الكلام عند قوله: " الأوَّلِينَ " ثم استؤنف أمرهم بذلك.

الثاني: أنها لام العاقبة، أي: كان عاقبة [قولهم] ذلك؛ لأنَّهم لم يقولوا أساطير ليحملوا؛ فهو كقوله تعالى:لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8].

قال: [الوافر]
3309- لِدُوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا للخَرابِ   .................
الثالث: أنها للتعليل، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه تعليل مجازي.

قال الزمخشريُّ رحمه الله: واللام للتعليل من غير أن تكون غرضاً؛ نحو قولك " خَرجْتُ مِنَ البَلدِ مَخافَةَ الشَّرِّ ".

والثاني: أنه تعليلٌ حقيقة.

قال ابن عطيَّة بعد حكاية وجه لامِ العاقبةِ: " ويحتمل أن يكون صريح لام كي؛ على معنى قدِّر هذا؛ لكذا " انتهى.

لكنه لم يعلِّقها بقوله " قَالُوا " إنما قدَّر لها عاملاً، وهو " قدَّر " هذا.

وعلى قول الزمخشري يتعلق بـ " قَالُوا " لأنها ليست لحقيقة العلَّة، و " كَامِلةً " حالٌ، والمعنى لا يخفَّف من عقابهم شيءٌ، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم، وهذا يدل على أنَّه - تعالى - قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً للكل، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفَّار بهذا التكميل فائدة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9