الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله - تعالى -: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ } الآية وقد تقدَّم الكلام عليها في سورة البقرة، وحصر المحرَّمات في هذه الأشياء الأربعة مذكور عليها في سورة الأنعام؛ عند قوله - تعالى -:قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } [الأنعام: 145]، وفي سورة المائدة في قوله:أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 1]، وأجمعوا على أن المراد بقوله: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } هو قوله - تعالى - في سورة البقرة:إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } [البقرة: 173] وقوله - تعالى -:وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } [المائدة: 3] فهذه الأشياء داخلة في الميتة. ثم قال - تعالى -:وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [المائدة: 3] وهذا أحد الأقسام الداخلة تحت قولهوَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } [البقرة: 173]، فثبت أن هذه السُّور الأربعة دالَّة على حصر المحرَّمات، فيها سورتان مكِّيتان، وسورتان مدنيَّتان، فإن البقرة مدنيّة، وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله تعالى بالمدينة، فمن أنكر حصر التحريم في هذه الأربعة، إلا ما خصَّه الإجماع والدلائل القاطعة كان في محلِّ أن يخشى عليه؛ لأن هذه السورة دلَّت على أن حصر المحرَّمات في هذه الأربعة كان مشروعاً ثابتاً في أول زمان مكَّة وآخره، وأول زمان المدينة وآخره وأنه - تعالى - أعاد هذا البيان في هذه السورة، قطعاً للأعذار وإزالة للرِّيبة.

قوله - تعالى -: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } الآية لما حصر المحرَّمات في تلك الأربعة، بالغ في تأكيد زيادة الحصر، وزيف طريقة الكفَّار في الزِّيادة على هذه الأشياء الأربعة تارة، وفي النُّقصان عنها أخرى؛ فإنَّهم كانوا يُحرِّمُونَ البَحيرةَ والسَّائبة والوَصِيلةَ والحَام، وكانوا يقولون:مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا } [الأنعام: 139] فقد زادوا في المحرَّمات وزادوا أيضاً في المحلَّلات؛ لأنهم حلَّلوا الميتة، والدَّم، ولحم الخنزير، وما أهلَّ به لغير الله، فبيَّن - تعالى - أن المحرَّمات هذه هي الأربعة، وبيَّن أن الأشياء التي يقولون: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، كذبٌ وافتراء على الله تعالى، ثم ذكر الوعيد الشديد على هذا الكذب.

قوله: " الكَذِبَ " العامة على فتح الكاف، وكسر الذَّال، ونصب الباء، وفيه أربعة أوجه:

أظهرها: أنه منصوب على المفعول به، وناصبه: " تَصِفُ " ، و " مَا " مصدرية ويكون معمول القول الجملة من قوله: { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } ، و " لِمَا تَصفُ " علّة للنَّهْي عن قول ذلك، أي: ولا تقولوا: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ؛ لأجل وصف ألسنتكم بالكذب، وإلى هذا نحا الزجاج [رحمه الله تعالى] والكسائي.

السابقالتالي
2 3