الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } * { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله: { وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ }.

قال صاحبُ " ديوان الأدبِ ": الحِجْر: ـ بكسر الحاء المهملة، وتسكين الجيم ـ له ستَّة معانٍ:

فالحِجْر: منازل ثمود، وهو المذكور هاهنا، والحِجْرُ: الأنثى من الخيل. والحِجْرُ: الكعبة. والحِجْرُ: لغة في الحجرِ، هو واحد الحجور في قوله تعالى:وَرَبَائِبُكُمُ ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ } [النساء:23] والحِجْرُ: العَقْلُ، قال تعالى:هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } [الفجر:5]، والحِجْرُ: الحرامُ في قوله تعالى:وَحِجْراً مَّحْجُوراً } [الفرقان:53] أي: حراماً محرماً.

فصل

قال " المُرْسلينَ " ، وإنَّما كذبوا صالحاً وحده؛ لأنَّ من كذَّب نبيًّا؛ فقد كذَّب الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لأنهم على دين واحد ولا يجوز التَّفريقُ بينهم.

وقيل: كذَّبُوا صالحاً، وقيل: كذَّبوا صالحاً ومن تقدمه من النَّبيين أيضاً، والله تعالى أعلم.

قال المفسرون: والحِجْرُ: اسم وادٍ كان يسكنه ثمود قوم صالحٍ، وهو بين المدينة، والشام، والمراد بـ " المُرْسلينَ " صالحٌ وحده.

قال ابن الخطيب: " ولعلَّ القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل ".

{ وَآتَيْنَاهُمْ } يعني النَّاقة، وولدها، والبئر، والآيات في النَّاقة: خروجها من الصَّخرة، وعظم خلقها، وظهور نتاجها عند خروجها، وقُرب ولادتها، وغزارة لبنها، وأضاف الإيتاء إليهم، وإن كانت النَّاقة آية صالحٍ؛ لأنَّها آيات رسولهم، فكانوا عنها معرضين؛ فذلك يدلُّ على أنَّ النَّظر، والاستدلال واجب، وأنَّ التقليد مذموم.

{ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً } تقدَّم كيفيَّة النَّحت في الأعراف: [74]، وقرأ الحسن، وأبو حيوة: بفتح الحاءِ.

" ءَامِنينَ " من عذاب الله.

وقيل: آمنين من الخرابِ، ووقوع السَّقف عليهم.

{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } ، أي: صيحة العذاب " مُصْبِحينَ " ، أي وقت الصُّبح.

قوله: " فَمَا أغْنَى " يجوز أن تكون نافية، أو استفهامية فيها [معنى] التعجب، وقوله: " مَا كَانُوا " يجوز أن تكون " مَا " مصدرية، أي: كسبهم، أو موصوفة، أو بمعنى " الَّذي " ، والعائد محذوف، أي: شيء يكسبونه، أو الذي يكسبونه.

فصل

وروى البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا نزل الحجر في غزوة تبوك، أمرهم ألاَّ يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقال واحدٌ: عَجَنَّا، وأسْتقَيْنَا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ذلك الماء، وأن يطرحوا ذلك العجين " ، وفي رواية: " وأنْ يَعْلِفُوا الإبل العجِين ".

وفي هذا دليل على كراهة دخول تلك المواضع، وعلى كراهةِ دخول مقابر الكفار، وعلى تحريم الانتفاع بالماء المسخوط عليه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإهراقه وطرح العجين، وهكذا حكم الماء النَّجسِ، ويدلُّ على أنَّ ما لا يجوز استعماله من الطعام، والشراب، يجوز أن يعلفه البهائم.

السابقالتالي
2