الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } * { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } * { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } * { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } * { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } * { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } * { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } * { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } * { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ } الآية هذا هو النوع السابع من دلائل التوحيد؛ لأنه ثبت بالدلائل القاطعة أنه يمتنع القول بوجود حوادث لا أوَّل لها، وإذا ثبت هذا وجب انتهاء الحوادث إلى حادث أوَّل، هو أولُ الحوادث، وإذا كان كذلك، وجب انتهاءُ الناس إلى إنسانٍ هو أول الناس، وذلك الإنسان الأول، غير مخلوقٍ من الأبوين؛ فيكون مخلوقاً ـ لا محالة ـ بقدرة الله ـ تعالى ـ.

فقوله: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } إشارة إلى ذلك الإنسان الأول، وأجمع المفسرون على أن المراد آدمُ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.

ونقل في كتب الشِّيعة، عن محمد بن علي الباقر، أنَّه قال: قد انقضى قبل آدم ـ صلوات الله عليه ـ الذي هو أبونا ألف ألف آدم، أو أكثر.

قال ابنُ الخطيب ـ رحمه الله ـ: " وهذا لا يقدحُ في حدوث العالم، بل الأمر كيف كان لا بدَّ من الانتهاء إلى إنسانٍ أول، هو أول الناس، فأما أن ذلك الإنسان الأول هو أبونا آدم، فلا طريق له إلاََّ من جهة السمع ".

واعلم ـ أنه ـ تعالى ـ قال:إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران:59]، وقال تعالى:إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } [ص:71]، وقال هاهنا: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } ، فطريقُ الجمع أنه جعل التُّرابَ طيناً، ثم تركه حتَّى صار حمأ مسنوناً، ثم خلقه منه، وتركه حتى جفّ، ويبس وصار له صلصلة.

واعلم أنه ـ تعالى ـ قادر على خلقه من أي جنس أراد، بل هو قادرٌ على خلقه ابتداء، وإنما خلقه على هذا الوجه؛ إما لمحض المشيئة، أو لما فيه من دلالة الملائكة؛ لأنَّ خلق الإنسان من هذه الأمور أعجب من خلقِ الشَّيءِ من جنسه.

وسمِّي إنساناً: إما لظهوره وإدراك البصر إياه، وإمَّا من النسيان؛ لأنه عهد إليه فنسِي.

عن ابن مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ قال: بعث الله ـ تعالى ـ جِبْريلَ ـ عليه السلام ـ إلى الأرض؛ ليأتيه بطينٍ منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص منِّي؛ فرجع ولم يأخذ، فقال يا ربِّ: أنها عاذتْ بك، فأعذتها، فبعث ميكائيل ـ صلوات الله عليه ـ فعاذت منه، فأعاذها؛ فرجع، فقال كما قال جبريل، فبعث ملك الموتِ، فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذُ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض، وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحدٍ، وأخذ من تربةٍ حمراء، وبيضاء، وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.

وسُمِّي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض، وصعد به، فقال الله تبارك وتعالى: " أما رَحِمْتَ الأرض حين تضرعت إليك "؟ فقال: رأيتُ أمرك وأوجب من قولها، فقال ـ جل ذكره ـ: أنت تقبض أرواح ولده قبل التراب حتى عاد طيناً لازباً، وهو يلتصقُ بعضه ببعضٍ، ثم ترك، حتى أنتن، وصار حمأ مسنوناً، وهو المنتنُ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9