الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } * { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }

قوله: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا } مفعوله محذوف، أي: أرسلنا رُسُلاً { مِن قَبْلِكَ } فـ { مِن قَبْلِكَ } يجوز أن يتعلق بـ " أرْسَلْنَا " ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه نعتٌ للمعفو ل المحذوف.

و { فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } ، قال الفراء: هو من إضافة الموصوف لصفته، والأصل: في الشِّيعِ الأوَّلين؛ كصَلاةِ الأولى، وجَانبِ الغربي وحقِّ اليَقينِ، وجين القيمة.

والبصريون: يؤولونه على حذف [الموصوف]، أي: في شيعِ الأممِ الأولين، وجانب المكان الغربي، وصلاةِ السَّاعةِ الأولى.

والشِّيعُ: قال الفراء: الشيَّاعُ واحدهم: شِيعَة، وشِيعَةُ الرجُلِ: أتْباعهُ، والشِّيعَةُ: وهم القوم المجتمعة المتفقة، سموا بذلك؛ لأن بعضهم يُشَايعُ بعضاً، وتقدم الكلام على هذا الحرف عند قوله تعالى:أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } [الأنعام:65].

قوله: { وَمَا يَأْتِيهِم } قال الزمخشري: " حكاية حال ماضية؛ لأنَّ " مَا " لا تدخل على المضارع إلاَّ وهو في موضعِ الحالِ، ولا على ماضٍ إلا وهو قريبٌ من الحال ".

وهذا الذي ذكره هو الأكثر في لسانهم؛ لكنَّه قد جاءت ما مقارنة للمضارع المراد به الاستقبال؛ كقوله تعالى:قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } [يونس:15]، وأنشدوا للأعشى يمدحُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: [الطويل]
3266ـ لَهُ نَافِلاتٌ ما يَغِبُّ نَوالُهَا     ولَيْسَ عطَاءُ اليَوْمِ مَانِعَهُ غَدا
وقال أبُو ذؤيب: [الكامل]
3267ـ أوْدَى بَنِيَّ وأوْدَعُونِي حَسْرَةً     عِنْدَ الرُّقَادِ وعَبْرَةً مَا تٌقلِعُ
قوله: " إلا كانوا " هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من مفعول " تَأتيهم " ، ويجوز أن تكون صفة لـ " رسُولٍ " فيكون في محلِّها وجهان: الجرُّ باعتبار اللفظ، والرفع باعتبار الموضع، وإذا كانت حالاً فهي حالٌ مُقدَّرةٌ.

فصل في معنى الآية

المعنى: أنَّ عادة هؤلاء الجهَّال مع جميع الأنبياء والرسول ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ الاستهزاءُ بهم؛ كما فعلًُوا بك؛ ذكره تسليةً للنبي ـ صلى الله عليه وسلم.

واعلم أنَّ السَّبَبَ الذي يحمِلُ هؤلاء الجهال على هذه العادة الخبيثة: إما لأنَّ الانتقال من المذاهب يشقُّ على الطِّباع.

وإمَّا لكونِ الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يكون فقِيراً، وليس له أعوان، ولا أنصارٌ؛ فالرؤساءُ يَثقُل عليهم خدمة من يكون بهذه الصِّفة.

وأمّا خذلانُ الله تعالى لهم، فبإلقاء دواعي الكفرِ والجهلِ في قلوبهم، وهذا هو السبب الأصليّ.

قوله: { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } ، يجوز في الكاف أن تكون مرفوعة المحلِّ على خبرها مبتدأ مضمر، أي: الأمر كذلك، و " نَسْلكهُ " مستأنف، ويجوز أن تكون منصوبة المحل، إمَّا نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ، أي: مثل ذلك السلك؛ ويجوز نسلكه، أي: نسلكُ الذكر، إما حالاً من المصدر المقدَّر، والهاء في " نَسْلكُهُ " يجوز عودها للذكر، وهو الظاهر، وقيل: يعود للاستهزاء، وقيل: على الشركِ.

والهاء في " بِهِ " يجوز عودها على ما تقدم من الثَّلاثة، ويكون تأويلُ عودها على الاستهزاء والشرك، أي: لا يؤمنون بسببه.

السابقالتالي
2 3