الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } * { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } * { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } * { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } * { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } * { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } * { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قوله: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ } لما بين دلائل التَّوحيد ثمَّ حكى عن إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنه طلب من الله العظيم أن يصونه عن الشرك، وأن يوفقه للأعمال الصَّالحة، وأن يخصه بالرحمة والمغفرة في يوم القيامة، ذكر بعده ما يدل على وجود القيامة، فهو قوله ـ عزَّ وجلَّ ـ { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ } وذلك تنبيه على أنَّه ـ تبارك وتعالى ـ لو لم ينتقم للمظلوم من الظَّالم للزم إمَّا أن يكون غافلاً عن ذلك الظَّالم، أو عاجزاً عن الانتقام، أو كان راضياً بذلك الظُّلم ولما كانت الغفلة، والعجز، والرِّضا بالظُّلم محالاً على الله امتنع أن لاينتقم من الظَّالم للمظلوم.

فإن قيل: كيف يليقُ بالرَّسُول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أن يحسب الله ـ عزَّ وجلَّ ـ موصوفاً بالغفلةِ؟.

فالجواب من وجوه:

الأول: المراد به التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب إن كان غافلاً، كقوله تعالى:وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [الأنعام:14]وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } [القصص:88].

والثاني: المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الانتقام لأجل غفلته عن ذلك الظالم، ولما كان امتناع هذه الغفلة معلوماً لكل أحد لا جرم كان عدمُ الانتقام محالاً.

الثالث: أنَّ المراد: ولا تحسبنه يعاملهم الله معاملة الغافل عمَّا يعملون، ولكن معاملة الرَّقيب عليهم المحاسب على النقير، والقطمير.

الرابع: أنَّ هذا الخطاب، وإن كان خطاباً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في الظاهر إلا أنه خطاب مع الأمَّة.

قال سفيان بن عيينة ـ رضي الله عنه ـ: هذا تسلية للمظلوم، وتهديد للظَّالم.

قوله: { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ } أي: لأجل يوم، فاللام للعلَّة.

وقيل: بمعنى " إلى " أي: للغاية.

وقرأ العامة " يُؤخِّرهُمْ " بالياء، لتقدم اسم الله ـ تعالى ـ. وقرأ الحسن والسلمي، والأعرج، [وخلائق] ـ رضي الله عنهم ـ: " نُؤخِّرهُم " بنون العظمة.

ويروى عن أبي عمرو " نُؤخِّرُهمْ " بنون العظمة.

و " تَشْخَصُ " صفة لـ " يَوْمِ ". ومعنى شُخُوصِ البصرِ حدَّةُ النَّظر، وعدم استقراره في مكانه، ويقال: شَخَصَ سَمْعُه، وبَصَرُه، وأشْخَصَهُمَا صَاحِبهُما، وشَخَصَ بَصَره، أي: لم يطرف جفنهُ، وشخوص البصر يدلُّ على الحيرة والدهشة، ويقال: شخص من بلده أي: بعد، والشخصُ: سواد الإنسان المرئيّ من بعيد.

قوله: { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } حالان من المضاف المحذوف إذا التقدير: أصحاب الأبصار، إذ يقال: شَخَصَ زَيْدٌ بصرهُ، أو تكون الأبصار دلَّت على أربابها فجاءت الحال من المدلول عليه، قالهما أبو البقاءِ.

وقيل: " مُهْطِعين " منصوب بفعل مقدر، أي: تبصرهم مهطعين، ويجوز في " مُقْنِعِي " أن يكون حالاً من الضمير في: " مُهْطِعِينَ " فيكون حالاً، وإضافة: " مُقْنِعِي " غير حقيقة؛ فلذلك وقع حالاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد