الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } * { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً } الآية لما استدل على أنَّه لا معبود إلا الله ـ تعالى ـ وأنَّه لا يجوز عبادة غير الله ـ تعالى ـ ألبتَّة، حكى عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ أنَّه طلب من الله ـ تعالى ـ أشياء:

أحدها: قوله: { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً } ، وتقدَّم تحريره في البقرة " وهذا البلد آمناً " ، ومسوِّل الجعل التَّصيير.

قال الزمخشري: " فإن قلت: فرق بين قوله: { ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً } وبين قولههَـٰذَا بَلَداً آمِناً } [البقرة:126].

قلت: قد سأل في الأوَّل أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها، ولا يخافون، في الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمناً ".

قوله " واجْنُبْنِي " ، يقال: جنَّبهُ شرًّا، وأجْنَبهُ إيَّاه ثلاثياً، ورباعياً، وهي لغة نجد وجنَّبهُ إيَّاهُ مشدَّداً، وهي لغة الحجاز وهو المنعُ، وأصله من الجانب.

وقال الراغب: " قوله تعالى: { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ } من جَنَبْتهُ عن كذا، أي: أبْعدتهُ منه، وقيل: من جَنَبْتُ الفرس، [كأنَّما] سألهُ أن يقُودَهُ عن جانبِ الشِّرك بألطافِ منهُ وأسبابٍ خفيَّة ".

و " أنْ نعبد " على حذف الحرف، أي: عن أن نَعْبُد.

وقرأ الجحدري وعيسى الثقفي ـ رحمهما الله ـ " وأجْنِبْنِي " بقطع الهمزة من " أجْنَبَ ".

قال بعضهم: يقال: جَنَبْتهُ الشَّيء، وأجْنَبْتُه تَجَنُّباً، وأجْنبتهُ إجْنَاباً، بمعنى واحد.

فإن قيل: ههنا إشكالٌ من وجوه:

أحدها: أن إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ دعا ربَّه أن يجعل مكَّة بلداً آمناً وقد خرب جماعة الكعبة، وأغاروا على مكَّة.

وثانيها: أن الأنبياء ـ عليه الصلاة والسلام ـ معصومون من عبادة الأصنام، فما فائدة هذا الدعاء.

وثالثها: أنَّ كثيراً من أبنائه عبدوا الأصنام؛ لأنَّ كفَّار قريش كانوا من أولاده وكانوا يعبدون الأصنام فأين الإجابة؟.

فالجواب عن الأوَّل من وجهين:

الأول: أنه نقل عن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه لما فرغ من بناء الكعبة دعا بأن يجعل الله الكعبة، وتلك البلدة آمنة من الخراب.

والثاني: أنَّ المراد جعل أهلها آمنين، كقوله تعالى:وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف:82] والمراد أهلها، وعلى هذا أكثر المفسرين، وعلى هذا التقدير، فالمراد بالأمن ما اختصت به مكة من زيادة الأمن، وهو أنَّ من التجأ إلى مكَّة أمن، وكان النَّاس مع شدة عداوتهم إذا التقوا بمكَّة لا يخاف بعضهم بعضاً، ولذلك أمن الوحش، فإنهم يقربون إذا كانوا بمكة ويستوحشون من النَّاس إذا كانوا خارج مكَّة.

وعن الثاني قال الزجاج: معناه: ثَبِّتْنِي على اجتناب عبادتها، كما قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9