الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } * { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } * { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } الآية اعلم أنَّه ـ تعالى ـ عاد إلى وصف الكافرين فقال ـ عز وجل ـ { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ }.

قال ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ: { ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } هم والله كفار قريش " بدَّلُوا " أي: غيروا " نِعْمةَ اللهِ " عليهم في محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حيث ابتعثه الله منهم كفروا به: " أحَلُّوا " أنزلوا: " قَوْمهُمْ " من تابعهم على كفرهم: " دَارَ البَوارِ " الهلاك.

ثم بيَّن دار البوار فقال: { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } المستقر، وقال عليٌّ: هم كفار قريش نُحروا يوم بدرٍ.

وقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو [مخزوم]، فأما بنو أمية فمُتِّعُوا إلى حين، وأما بنو مخزوم، [فأهلكوا] يوم بدر قاله على بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ.

وعن ابن عباس وقتادة ـ رضي الله عنهما ـ: نزلت في متنصري العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه.

وقال الحسنُ ـ رضي الله عنه ـ: هي عامَّة في جميع المشركين.

قوله تعالى: { بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } فيه أوجه:

أحدها: أن الأصل: بدلوا شكر نعمة الله كفراً، كقوله تعالى:وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [الواقعة:83] أي شكر رزقكم؛ وجب عليهم الشكر؛ فوضعوا موضعه الكفر.

والثاني: أنَّهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنَّهم لما كفروها سلبوها، فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حاصلاً لهم، قالهما الزمخشريُّ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف مضاف، وقد تقدَّم أن " بدَّل " يتعدى لاثنين:

أولهما: من غير حرف.

والثاني: بالباء، وأن الجمهور هو المتروك والمنصوب هو الحاصل، ويجوز حذف الحرف فيكون المجرور بالباء هنا هو " نِعْمَةٌ "؛ لأنها المتروكة.

وإذاً عرف أنَّ قول الحوفي، وأبي البقاءِ: أن " كُفْراً " هو المفعولُ الثاني ليس بجيد؛ لأنه هو الَّذي يصلُ إليه الفعل بنفسه لا بحرف الجر، وما كان كذا فهو المفعول الأول.

قوله: { جَهَنَّمَ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه بدلٌ من " دَارَ ".

الثاني: أنه عطف بيان لها، وعلى هذين الوجهين؛ فالإحلال يقع في الآخرة.

الثالث: أن ينتصب على الاشتغال بفعل مقدر، وعلى هذا، فالإحلال يقع في الدُّنيا، لأن قوله: { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا } أي: واقع في الآخرة.

ويؤيِّدُ هذا التأويل: قراءة ابن أبي عبلة " جَهَنَّمُ " بالرفع على أنها مبتدأ، والجملة بعده الخبر.

وتحتمل قراءة ابن أبي عبلة وجهاً آخر: وهو أن ترتفع على خبر [مبتدأ] مضمر.

و " يَصْلونهَا " حال إمَّا من: " قَوْمَهُمْ " ، وإمَّا من " دَارَ " ، وإمَّا من: " جَهنَّمَ ".

السابقالتالي
2