الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } * { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } * { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ }

قوله تعالى: { ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } الآية لما شرح أحوال الأشقياء، وأحوال السعداء ذكر مثالاً للقسمين وفي " ضَرَبَ " ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه متعد لواحد بمعنى اعتمد مثلاً ووضعه، و " كَلِمةً " على منصوبة بمضمر، أي: جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وهو تفسير لقوله: " ضَربَ اللهُ مَثلاً " كقولك: شَرفَ الأمير زيْداً كَساهُ حُلَّةً، وحمله على ضربين، وبه بدأ الزمخشريُّ.

قال أبو حيان ـ رحمه الله ـ: " وفيه تكلف إضمار، ولا ضرورة تدعو إليه ".

قال شهاب الدين: " بل معناه محتاج إليه فيضطر إلى تقديره محافظة على لمح هذا المعنى الخاص ".

الثاني: أنَّ " ضَرَبَ " متعدية لاثنين؛ لأنها بمعنى " صَيَّرَ " لكن مع لفظ المثل خاصة، وقد تقدَّم تقرير هذا أوَّل الكتاب، فيكون " كَلمَةٌ " مفعولاً أول، و " مَثلاً " هوالثاني مقدم.

الثالث: أنَّه متعدٍّ لواحد، وهو " مَثَلاً " ، و " كَلمَةً " بدل منه، و " كَشجَرةٍ " خبر مبتدأ مضمر، أي: هي كشجرة طيبة وعلى الوجهين قبله يكون " كَشجَرةٍ " نعتاً لـ: " كَلِمَةً ".

وقرىء " كَلِمةٌ " بالرفع، وفيه وجهان:

أحدهما: أنه خبر مبتدأ مضمر، أي: هو، أي: المثل كلمة طيبة، ويكون " كَشجَرة " على هذا نعتاً لـ " كَلِمَةٍ ".

والثاني: أنَّها مرفوعة بالابتداء، و " كَشجَرةٍ " خبر.

وقرأ أنس بن مالكٍ ـ رضي الله عنه ـ " ثَابِتٌ أصْلُهَا ".

قال الزمخشريُّ: فإن قلت: أي فرق بين القراءتين؟ قلت: قراءة الجماعة أقوى معنى؛ لأنَّ قراءة أنس أجرت الصفة على الشجرة، ولو قلت: مررتُ برجُلٍ أبُوهُ قَائِمٌ، فهو أقوى من " رَجُل قَائِم أبوهُ "؛ لأنَّ المخبر عنه إنَّما هو الأب، لا " رجل ". والجملة من قوله: " أصْلُهَا ثَابتٌ " في محلِّ جرٍّ نعتاً لـ " شَجَرةٍ ".

وكذلك " تُؤتِي أكلها " ويجوز فيهما أن يكونا مستأنفين، وجوز أبو البقاء في " تُوتِي " أن يكون حالاً من معنى الجملة التي قبلها، أي: ترتفع مؤتية أكلها، وتقدم الخلاف في " أكُلَهَا ".

فصل

المعنى: ألم تعلم، والمثل: قول سائر كتشبيه شيء بشيء: " كَلِمة طَيِّبةً " هي قول: لا إله إلا الله " كَشجَرةٍ طَيِّبةٍ " وهي النَّخلةُ يريد: كشجرة طيبة الثمر.

وقال أبو ظبيان عن ابن عباسٍ ـ رضي الله عنه ـ: هي شجرة في الجنَّة أصلها ثابت في الأرض، وفرعها أعلاها في السماء، كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة، والتصديق، فإذا تكلَّم بها عرجت، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ قال تعالى:

السابقالتالي
2 3