قوله: { وَٱسْتَفْتَحُواْ } العامة على " اسْتفْتَحُوا " فعلاً ماضياً، وفي ضميره أقوال: أحدها: أنه عائد على الرُّسلِ الكرام، ومعنى الاستفتاح: الاستنصار كقوله:{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } [الأنفال:19]. وقيل: طلب الحكم من الفتاحة، وهي الحكومة، كقوله تعالى:{ رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [الأعراف:89]. الثاني: أن يعود على الكفار، أي استفتح أمم الرسل عليهم؛ كقوله تعالى:{ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال:32] وقيل: عائد على الفريقين؛ لأن كلاَّ طلب النصر على صاحبه. وقيل: يعود على قريش؛ لأنهم في سني الجدب استمطروا فلم يمطروا، وهو على هذا مستأنف، وأما علىغيره من الأقوال فهو عطف على قوله: " فأوحى إليهم ". وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن رضي الله عنهم " واستفتحوا " على لفظ الأمر أمراً للرسل بطلب النصرة، وهي تقوية لعوده في المشهورة على الرسل، والتقدير: قال لهم: لنهلكن، وقال لهم: استفتحوا. قوله: " وخاب " هو في قراءة العامة عطف على محذوف، وتقديره: استفتحوا، فنصروا، وخاب، ويجوز أن يكون عطفاً على " استفتحوا " على أن الضمير فيه للكفار، وفي غيرها على القول المحذوف وقد تقدم أنه يعطف الطلب على الخبر وبالعكس. إن قلنا: المستفتحون الرسل عليهم الصلاة والسلام، فنصروا وظفروا، وهو قول مجاهد وقتادة، وذلك أنهم لما أيسوا من إيمان قومهم استنصروا الله، ودعوا على قومهم بالعذاب، كما قال نوح ـ صلوات الله عليه ـ:{ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح:26]. وإن قلنا: المستفتحون الكفرة كان المعنى أن الكفار استفتحوا على الرسل ظنًّا منهم أنهم على الحق والرسل على الباطل، وذلك أنهم قالوا: " اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا " نظيره:{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال:32]. " وخَابَ " ما أفلح. وقيل: خسر. وقيل: هلك كل جبّار عنيد. والجبَّارُ الذي لا يرى فوقه أحداً، والجبريةُ طلب العلوْ بما لا غاية وراءه، وهذا الوصف لا يكون إلا لله ـ عزَّ وجلَّ ـ. وقيل: الجبَّار الذي يجبر الخلق على مراده، والجبَّار هنا: المتكبر على طاعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وعبادته، ومنه قوله تعالى:{ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } [مريم:14]. قال أبو عبيدة: " الأجْبَر يقال فيه جبريّة، وجَبرُوَّة، وجَبرُوت ". وحكى الزجاج: " الجِبْرُ، والجِبْرِية، والجِبَّارة، الجِبْرِيَاءُ ". قال الواحديُّ: " فهذه سبع لغات في مصدر الجبَّار، ومنه الحديث: " أن امرأة حضرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمَرهَا بِأمْرٍ فأبتْ عليْهِ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " دَعُوهَا فإنَّها جَبَّارةٌ "