الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

قوله تعالى: { الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } يجوز أن يرتفع " كِتابٌ " على أنَّه خبر لـ " الر ":إن قلنا: إنَّها مبتدأ، والجملة بعده صفة، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي: هذا، وأن يرتفع بالابتداء وخبره الجملة بعده، وجاز الابتداء بالنكرة؛ لأنَّها موصوفة تقديراً، تقديره: كتاب، أي: كتاب يعني عظيماً من بين الكتب السماوية.

قالت المعتزلة: النَّازلُ، والمنزلُ لا يكون قديماً.

والجواب: أنَّ الموصوف بالمنزل هو هذه الحروف وهي محدثةٌ.

قوله: { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ } متعلق بـ " أنْزَلناهُ ". وقرىء (ليَخْرُجَ الناس) بفتح الياءِ وضمِّ الراء، من خَرَجَ يَخْرُجُ. " النَّاسُ " رفعاً على الفاعليَّة.

قالت المعتزلة: اللاَّم في " لِتُخْرِجَ " لام الغرض والحكمة، تدلُّ على أنه ـ تعالى ـ إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض، فدل على أنَّ أقوال الله ـ تعالى ـ وأفعاله معللة برعاية المصالح.

وأجيب: بأن من فعل فعلاً لأجل شيءٍ أخر، فهذا إنَّما يفعله إذا كان عاجزاً عن تحصيل ذلك المقصود إلاَّ بهذه الواسطة، وذلك محالٌ في حقِّ الله ـ تعالى ـ، وإذا ثبت بالدَّليل منع تعليل أفعال الله ـ تعالى ـ وأحكامه بالعلل؛ ثبت أنَّ كل ظاهر أشعر به فهو مؤول على معنى آخر.

فصل

قوله تعالى: { مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي: لتدعوهم من ظلمات [الضَّلال] إلى نُورِ الإيمان.

قال القاضي ـ رحمه الله ـ: هذه الآية تبطل القول بالجبر من جهات:

أحدها: أنَّه ـ تعالى ـ لو خلق الكفر في الكافر، فكيف يصحُّ إخراجه منه بالكتاب.

وثانيها: أنَّه ـ تعالى ـ أضاف الإخراج من الظُّلمات إلى النور إلى الرَّسُول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن كان خالق الكفر هو الله ـ تعالى ـ فكيف يصحُّ من الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إخراجهم منه، وكان للكافر أن يقول: إنَّك تقول: إن الله خلق الكفر فينا فكيف يصحُّ منك أن تخرجنا؟.

فإن قال لهم: أنا أخرجكم من الظُّلماتِ التي هي كفر مستقبل لا واقع فلهم أن يقولوا: إنه كان الله سيخلقه فينا لم يصح ذلك الإخراج، وإن لم يخلقه الله فنحن خارجون منه بلا إخراج.

وثالثها: أنه ـ صلواتُ الله وسلامه عليه ـ إنَّما يخرجهم من الكفر بالكتاب بأن يتلوه عليه ليتدبروهن؛ ولينظروا فيه فيعلموا بالنَّظر، والاستدلال كونه ـ تعالى ـ عالماً قادراً حكيماً، ويعلموا بكون القرآن معجزة صدق الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فحينئذ يقبلوا منه كلَّ ما جاءهم من الشَّرائع، وذلك إنَّما يكون إذا كان الفعل ويقع باختيارهم، ويصحُّ منهم أن يقدموا عليه ويتصرَّفوا فيه.

والجواب عن الكل: أن يقال: الفعل الصادر من العبد.

السابقالتالي
2 3 4 5