الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }

قوله: { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } الآية لما ذكر الدَّليل على معرفة المبدأ ذكر بعده ما يدلُّ على المعادِ.

قال ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهماـ: " إنْ تعجب من تكذيبهم إيَّاك بعد ما حكموا عليك بأنَّك من الصَّادقين، فهذا عجبٌ ".

وقيل: إن تعجب يا محمَّدُ من عبادتهم ما لا يملك لهم ضرًّا، ولا نفعاً بعد ما عرفوا الدلائل الدَّالة على التوحيد، فهذا عجبٌ.

وقيل: تقدير الكلام: وإن تعجب يا محمد صلوات الله عليه فقد تعجبت في موضع العجب، لأنهم لما اعترفوا بأنه ـ تعالى ـ مدبِّر السموات، والأرضيين، وخالق الخلق أجمعين، وأنَّه هو الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها، وأنَّه الذي سخر الشَّمس، والقمر على وفق مصالح العباد، وهو الذي أظهر في العالم أنواع العجائب، والغرائب، فمن كانت قدرته وافية بهذه الأشياء العظيمة، كيف لا تكون وافية بإعادة الإنسان بعد موته؛ لأنَّ القادر على الأقوى يكون قادراً على الأضعفِ بطريق الأولى، وهذا تقرير موضع التَّعجُّب.

قوله: { فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } يجوز فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه خبر مقدم، و " قَوْلُهمْ " مبتدأ مؤخَّرٌ، ولا بد من حذف [صفة] لتتمْ الفائدة، أي: فعجب أي عجب، أو غريب، ونحوه.

الثاني: أنه مبتدأ، وسوَّغ الابتداء ما ذكر من الوصف المقدر، ولا يضر حينئذٍ كون خبره معرفه، هذا كما أعرب سيبويه: كم مالك وخير من أقصد رجلاً خير منه أبوه مبتدأين لمسوغ الابتداء بهما، وخبرهما معرفةٌ، قاله أبو حيَّان.

وللنزاع فيه مجال؛ على أنَّ هناك علّة لا تتأتى هنا، وهي: أنَّ الذي حمل سيبويه على ذلك من المسألتين أن أكثر ما تقع موقع " كَمْ " ، وخبر " مَا " هو مبتدأ؛ فلذلك حكم عليهما بحكم الغالب بخلاف ما نحنُ فيه.

الثالث: أنَّ " عَجَبٌ " مبتدأ بمعنى معجب، و " قَوْلُهمْ " فاعل به، قاله أبو البقاء.

ورد عليه أبو حيَّان: بأنهم نصُّوا على أنَّ " فعلاً وفعَلة وفُعْلاً " ينوبُ عن " مَفْعُول " في المعنى، ولا يعمل عمله، فلا تقول: مَرَرْتُ بِرجُل [ذبح] كَبْشَهُ ولا غَرَفَ مَاءهُ ولا قَبضَ مالهُ، وأيضاً فإنَّ الصفات لا تعمل إلاَّ إذا اعتمدت على أشياء مخصوصة وليس منها هنا شيء.

والعَجَبُ: تغير النَّفس برؤية المستبعد في العادة.

وقال القرطبيُّ: العَجَبُ تغير النفس بما يخفى أسبابه.

قوله تعالى: { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } يجوز في هذه الجملة الاستفهامية وجهان:

أظهرهما: أنَّها منصوبة المحل لحكايتها بالقول.

والثاني: أنَّها، وما في حيزها في محل رفع بدلاً من: " قَوْلهِمْ " وبه بدأ الزمخشريُّ وعلى هذا فقولهم بمعنى مقولهم ويكونُ بدل كلِّ من كُلِّ؛ لأنَّ هذا هو نفس " قَوْلُهُم " ، و " إذَا " هنا ظرفٌ محضٌ، وليس فيها معنى الشَّرط، والعاملُ فيها مقدر يفسره { لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } تقديره: أئذا كُنَّا تراباً نبعث، أو نحشر، ولا يعمل فيها: { خَلْقٍ جَدِيدٍ }؛ لأن ما بعد " إذَا " لا يعملُ فيما قبلها، ولا يعمل فيها " كُنَّا " لإضافتها إليها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7