الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ } * { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ }

قوله: { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } الآية لما ذكر عذاب الكفار في الدنيا والآخرة أتبعه بذكر ثواب المتقين فقال " مثلُ الجَنَّة ".

قال سيبويه: " مثَلُ الجنَّة " مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: فيما قصصنا ـ أو فما يتلى ـ عليكم مثل الجنة وعلى هذا فقوله { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } تفسير لذلك المثل.

وقال أبو البقاء: " فعلى هذا " تَجْرِي " حال من العائد المحذوف في " وُعِدَ " أي: وعدها مقدراً جريان أنهارها ".

ثم نقل عن الفراء: أنه جعل الخبر قوله: " تَجْرِي " قال: وهذا خطأ عند البصريين، قال: لأن المثل لا تجري من تحته الأنهار وإنما هو من صفات المضاف إليه، وشبهته: أن المثل هنا بمعنى الصفة فهو كقوله: صفة زيد أنه طويل ويجوز أن يكون " تَجْرِي " مستأنفاً.

وهذا الذي ذكره أبو البقاء نقل نحوه الزمخشري، ونقل غيره عن الفراء في الآية تأويلين آخرين:

أحدهما: على حذف لفظة " أنها " والأصل: صفة الجنة أنها تجري وهذا منه تفسير معنى لا إعراب، وكيف تحذف " أنها " من غير دليل؟.

والثاني: أن لفظة " مثلُ " زائدة، والأصل: الجنة تجري من تحتها الأنهار، وزيادة " مثلُ " في لسانهم كثير، ومنهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى:11]فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ } [البقرة:137] وقد تقدم.

قال الزمخشري: " وقال غيره، أي غير سيبويه ـ: الخبر { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } كما تقول: صفة زيد أسمر ".

قال أبو حيان: " وهذا أيضاً لا يصح أن يكون " تجْري " خبراً عن الصفة ولا " أسمر " خبراً عن الصفة، وإنما يتاول " تَجْرِي " على إسقاط " أن " ورفع الفعل، والتقدير أن تجري، أي: جريانها ".

وقال الزجاج: " مثلُ الجنَّةِ " " جنة " على حذف المضاف تمثيلاً لما غاب بما نشاهده.

ورد عليه أبو علي قال: " لا يصح ما قال الزجاج لا على معنى الصفة ولا على معنى الشبه؛ لأن الجنة التي قدرها جثَّة ولا تكون الصفة، ولأن الشبه عبارة عن المماثلة بين المتماثلين وهوحدث والجنة جثة فلا تكون [المماثلة] ".

والجمهور على أن المثل هنا بمعنى الصفة، فليس هنا ضرب مثل، فهو كقوله تعالى:وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } [النحل:60]، وأنكر أبو علي أن يكون بمعنى الصفة، وقال: معناه: الشبه.

وقرأ علي وابن مسعود " أمْثَالُ الجنَّةِ " ، أي: صفاتها وقد تقدم خلاف القراء فيه في البقرة.

فصل

اعلم أنه ـ تعالى ـ وصف الجنة بصفات ثلاث:

أولها: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ }.

السابقالتالي
2 3