الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } * { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ }

قوله تعالى: { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } الآية لما طلبوا المعجزات من الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ على سبيل الاستهزاء، وكان يتأذى من تلك الكلمات، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية تسلية له وتصبيراً على سفاهتهم فقال: إن أقوام سائر الأنبياء ـ عليه الصلاة والسلام ـ استهزؤوا بهم كما أن قومك يستهزئون بك { فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أمهلتهم وأطلت لهم المدة بتأخير [العقوبة] { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } عاقبتهم في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } لهم؟.

والإملاء: الإمهال وإن تركوا مدة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى، ومنه الملوان وهو الليل والنهار؟

قوله: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ } " مَنْ " موصولة، وصلتها " هُو قَائِمٌ " والموصول مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع، ودل على هذا المحذوف، قوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } ونحوه قولهأَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [الزمر:22] تقديره: كمن قسا قلبه.

يدل عليه أيضاًفَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الزمر:22] وإنما حسن حذفه كون الخبر مقابلاً للمبتدأ، وقد جاء مبيناً، كقولهأَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [النحل:17]أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } [الرعد:19].

والمعنى: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، أي: حافظها ورازقها وعالم بها ومجازيها بما علمت، وجوابه محذوف، تقديره: كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه.

قوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ } يجوز أن يكون استئنافاً، وهو الظاهر، جيء به للدلالة على الخبر المحذوف كما تقدم تقريره.

وقال الزمخشري: " ويجوز أن تقدر ما يقع خبر للمبتدأ ويعطف عليه: " وجَعَلُوا " وتمثيله: أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه " جعلوا لهُ " وهو الله تعالى أي: وهو الذي يستحق العبادة ".

قال أبو حيان: " وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله تعالى { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } أي: له، وفيه حذف الخبر غير المقابل، وأكثر ما جاء الخبر مقابلاً ".

وقيل: الواو للحال، والتقدير: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجودة والحال أنهم جعلوا له شركاء، فأقيم الظاهر وهو " اللهُ " مقام المضمر تقريراً للإلهية وتصريحاً بها، قاله صاحب العقد.

وقال ابن عطية: " ويظهر أن القول مرتبط بقوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } كان التقدير: أفمن له القدرة والوحدانية، ويجعل له شريك أهل ينتقم ويعاقب أم لا؟ ".

وقيل: " وَجَعلُوا " عطف على " استُهْزِىءَ " بمعنى: وقد استهزؤوا وجعلوا.

وقال أبو البقاء: " هو معطوف على " كَسبَتْ " أي: ويجعلهم لله شركاء " ولما قرر هذه الحجة زاد في الحجاج فقال: " قُلْ سمُّوهُمْ " وإنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى ألا يذكر، ولا يوضع له اسم فعند ذلك يقال: سمه إن شئت، يعني أنه [أخس] من أن يسمى ويذكر، ولكن إن شئت أن تضع له أسماً فافعل، وقيل: " سموهم ": أي: صفوهم، ثم انظروا: هل هي أهلٌ أن تعبد؟ على سبيل التهديد، والمعنى: سواء سميتموهم باسم الآلهة أو لم تسموهم فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها، ثم زاد في الحجاج.

السابقالتالي
2 3