الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

قوله: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ } جوابها محذوف، أي: لكان هذا القرآن، لأنه في غاية ما يكون من الصحة، واكتفى بمعرفة السامعين من مراده؛ كقوله الشاعر: [الطويل]
3180ـ فأقْسِمُ لو شَيءٌ أتَانَا رسُولهُ     سِواكَ ولكِنْ لَمْ نَجِدْ عنْكَ مَدْفَعَا
أراد: لرددناه، وهذا معنى قول قتادة: قالوا: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.

وقيل: تقديره لما آمنوا.

ونقل عن الفراء: جواب " لو " هي الجملة من قولهوَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ } [الرعد:30] وفي الكلام تقديم وتأخير وما بينهما اعتراض، وتقدير الكلام: وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآناً سيرت به الجبال كأنه قيل: لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم الموتى به لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا لما سبق من علمنا فيهم، كقوله:وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ } [الأنعام:111] وهذا في الحقيقة دال على الجواب.

وإنما حذفت التاء في قوله { أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } وثبتت في الفعلين قبله؛ لأنه من باب التغليب، لأن الموتى تشمل المذكر والمؤنث.

ثم قال: { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً } إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وليس لأحد عليه اعتراض.

قوله { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } أصل اليأس: قطع الطمع عن الشيء والقنوط منه، واختلف الناس فه ههنا، فقال بعضهم هو هنا على بابه، والمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش، وذلك أنهم لما سألوا هذه الآيات طمعوا في إيمانهم وطلبوا نزول هذه الآيات ليؤمن الكفار، وعلم الله أنهم لا يؤمنون فقال: أفلم ييأس الذين آمنوا من آيات الكفار، أي: ييأس من إيمانهم قال الكسائي.

وقال الفراء: " أوقع الله للمؤمنين أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً فقال: أفلم ييأسوا علماً " يقول: يؤيسهم العلم، فكان فيهم العلم مضمراً كما تقول في الكلام: " يئست منك إن لا تفلح " كأنه قال: علمه علماً، قال: فيئست بمعنى علمت، وإن لم يكن سمع فإنه يتوجه لذلك بالتأويل ".

وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه وذلك لأنه لما أبعد إيمانهم في قوله ـ عز وجل ـ { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ } على [التأويلين] في المحذوف المقدر، قال في هذه الآية " أفلمْ يَيْأسِ " المؤمنون من إيمان هؤلاء علماً منهم { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً }.

وقال الزمخشري: " ويجوز أن يتعلق { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } بـ " آمَنَوا " على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولهداهم ".

وهذا قد سبقه إليه أبو العباس ـ رضي الله عنه ـ.

السابقالتالي
2 3 4