الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } * { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } * { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } * { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }

قوله تعالى: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ } الآية قد تقدَّم تقرير القولين في " أفَلمْ " وهو نظيرُ " أفَمَنْ " ، ومذهب الزمخشريِّ فيه بعد هنا.

والمعنى: أنَّ العالم بالشَّيء كالبصير، والجاهل به كالأعمى، وليس أحدهما كالآخر، لأن الأعمى إذا مشى من غير قائدٍ، فرُبَّما وقع في المهالك، أو أفسد ما كان في طريقه من الأمتعة النافعة، وأمَّا البصير، فإنه يكون آمناً [الهلاك]، والإهلاك.

قيل: نزلت في حمزة، وأبي جهلٍ، وقيل: في أبي عمَّار، وأبي جهلٍ، فالأوَّل حمزة، أو عمَّار، والثاني: أبو جهل، وهو الأعمى، أي: لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه، ومن لا يبصره، ولا يتبعه. { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ } يتعظ { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } ذوو العقول.

{ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } بما أمرهم به، وفرضه عليهم، ولا يخالفونه. ويجوز أن يكون قوله: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ } صفة لـ " أولي الألباب " ، ويجوز أن يكون صفة لقوله ـ عز وجل ـ: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ }.

وقيل: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } مبتدأ: و { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } خبره لقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ } [الرعد:25] أولئك لهم اللعنة. وهذه الآية من أوَّلها إلى آخرها جملة واحدة شرطيَّة، وشرطها مشتملٌ على قيودٍ.

القيد الأول قوله: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } قال ابن عباسٍ ـ رضي الله عنه ـ: يريد الذين عاهدهم حين كانوا في صلب آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ:وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف:172] وقيل: المراد بـ " عَهْدِ اللهِ " كل أمرٍ قام الدليل على صحَّته.

والقيد الثاني: قوله سبحانه: { وَلاَ يِنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } ، وهذا قريبٌ من الوفاء بالعهد؛ فإن الوفاء بالعهد قريب من عدم نقض الميثاق؛ فهما متلازمان.

وقيل: الميثاق ما وثقه المكلف على نفسه من الطاعات كالنذر، والوفاء بالعهد ما كلف العبد به ابتداء.

وقيل: الوفاءُ بالعهدِ: عهد الربوبيَّة، والعبودية، والمراد بالميثاق: المواثيق المذكورة في التوراة والإنجيل وسائر الكتب الإلهية على وجوب الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره.

وقيل: المراد من الوفاء بالعهد: أن لا يغدر فيه، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: " مَنْ عَاهدَ اللهَ فَغَدرَ كَانَ فِيهِ خَصْلةٌ مِنَ النِّفاقِ ".

القيد الثالث: قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ }.

قيل: أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل، و:لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [البقرة:285].

وقال الأكثرون: المراد صلة الرَّحم.

فِإن قيل: الوفاء بالعهد، وترك نقض الميثاقِ اشتمل على وجوب الإتيان بجميع المأمورات، والاحتراز عن كل المنهيات. فما الفائدة في ذكر هذه القيود بعدهما؟

فالجواب من وجهين:

[الأول]: ذكر ذلك لئلا يظنَّ ظانٌّ أنَّ ذلك، فيما بينه، وبين ربه، فلا جرم أفرد ما بينه، وبين العباد، بالذكر.

السابقالتالي
2 3 4 5