الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

قوله تعالى: { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الآية لما بيَّن أنَّ كلَّ من في السَّموات، والأرض ساجد لله بمعنى كونه خاضعاً له، عدل إلى الرَّد على عبدة الأصنام فقال: { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ } ولمَّا كان هذا الجواب يقرّ به المسئولُ ويعترف به، ولا ينكره، أمره ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يكون هو الذاكر لهذا الجواب تنبيهاً على أنهم لا ينكرونه ألبتَّة.

قال القشيري: " ولا يبعد أن تكون الآية واردة فيمن لا يعترف بالصانع، أي: سلهم عن خالق السموات والأرض؛ فإنه يسهل تقرير الحجة عليهم ويقربُ الأمر من الضرورة، فإن عجز الجماد، وعجز كل مخلوق عن خالق السموات، والأرض معلوم ".

ولما بين الله أنَّه هو الرب لكلِّ الكائنات [قاله له]: قل لهم على طريق الإلزام للحجة فلم اتخذتم من دونه أولياء، وهي جمادات، وهي لا تملكُ لأنفسها نفعاً، ولا ضرًّا، ولما كانت عاجزة عن تحصيل المنفعة [لأنفسها، ودفع المضرة عن نفسها، فلأن تكون عاجزة عن تحصيل المنفعة] لغيرها، ودفع المضرة عن غيرها بطريق الأولى، وإذا كانت عاجزة عن ذلك كانت عبادتها محض العبث، والسَّفه، ولما ذكر هذه الحجة الظاهرة بين أنَّ الجاهل بمثل هذه الحجة لا يساوي العالم بها.

فقال: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ } قرأ الأخوان، وأبو بكر عن عاصم: " يَسْتَوِي " بالياء من تحت، والباقون بالتاء من فوق، والوجهان واضحان باعتبار أن الفاعل مجازي التَّأنيث، فيجوز في فعله التذكير، والتأنيث، كنظائر له مرت. وهذه مثل ضربه اللهُ سبحانه وتعالى للكفَّار؟

قوله: " أمْ هَلْ " هذه أم المنقطعة، فتقدر بـ " بل " ، والهمزة عند الجمهور، وبـ " بل " وحدها عند بعضهم، وقد تقدَّم تحريره، وهذه الآية قد يتقوى بها من يرى تقديرها بـ " بَلْ " فقط بوقوع: " هَلْ " بعدها، فلو قدَّرناها بـ " بَلْ " والهمزة لزم اجتماع حرفي معنى؛ فتقدرها بـ " بل " وحدها، " ولا " تقويةٌ له، فإن الهمزة قد جامعت: " هَلْ " في اللفظ، كقوله الشاعر: [البسيط]
3173ـ....................     أهَلْ رَأوْنَا بِوادِي القُفِّ ذي الأكَمِ
فأولى أن يجامعها تقديراً.

ولقائل أن يقول: لا نسلم أنَّ: " هَلْ " هذه استفهاميَّة، بل بمعنى: " قَدْ " ، وإليه ذهب جماعةٌ، وإن لم تجامعها همزة، كقوله تعالى:هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } [الإنسان:1] أي: قد أتى، فههنا أولى، والسماع قد ورد بوقوع: " هَلْ " بعد: " أم " وبعدمه. فمن الأول هذه الآية، ومن الثاني: ما بعدها من قوله: " أمْ جَعلُوا ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8