الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } * { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } * { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ } الآية لما خوَّف العباد بإنزال ما لا مرد له، أتبعه بذكر هذه الآيات المشتملة على قدرة الله ـ تعالى ـ وحكمته، وهي تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه، وتشبه العذاب، والقهر من بعض الوجوه.

قوله: " خوفاً وطمعاً " يجوز أن يكونا مصدرين ناصبهما محذوف، أي: يخافون خوفاً، ويطمعون طمعاً، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع نصب على الحالِ، وفي صاحب الحال حينئذ وجهان:

أحدهما: أنه مفعول: " يُرِيكُمْ " الأول، أي: خائفين طامعين، أي: تخافون صواعقه وتطمعون في مطره، كما قال المتنبي: [الطويل]
3170ـ فَتًى كالسَّحابِ الجُونِ يُخْشَى ويُرْتَجَى     يُرجَّى الحَيَا مِنهَا وتُخْشَى الصَّواعِقُ
والثاني: أنَّه البرق، أي: يريكموه حالَ كيف ذا خوفٍ وطمعٍ، إذ هو في نفسه خوف وطمع على المبالغة، والمعنى كما تقدَّم.

ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله، ذكره أبو البقاء، ومنعه الزمخشريُّ لعدم اتِّحادِ الفاعل، يعني أنَّ " الإرادة " وهو الله ـ تعالى ـ غير فاعل الخوف، والطمع، وهو ضمير المخاطبين، فاخلتف فاعل الفعل المعلل، وفاعل العلة وهذا يمكن أن يجاب عنه: بأنَّ المفعول في قوَّة الفاعل، فإن معنى " يُرِيكُم " يجعلكم رائين، فتخافون، وتطمعون.

ومثله في المعنى قول النابغة الذبياني: [الطويل]
3171ـ وحَلَّتْ بُيوتِي في يَفاعٍ مُمنَّعٍ     تَخالُ بهِ رَاعِي الحَمُولةِ طَائِرَا
حِذَاراً على ألاَّ تَنالَ مَقادَتِي     ولا نِسْوتِي حتَّى يَمُتْنَ حَرائِرَا
فـ " حذارا " مفعول من أجله، فاعله هو المتكلم، والفعل المعلل الذي هو: " حَلَّت " فاعله " بُيُوتِي " فقد اختلف الفاعل، قالوا: لكن لما كان التقدير: وأحللت بيوتي حذاراً صحَّ ذلك. وقد جوَّز الزمخشريُّ ذلك أيضاً على حذف مضاف فقال: " إلاَّ على تقدير حذف مضاف، أي: إرادة خوفٍ، وطمع، وجوَّزه، أيضاً على أن بعض المصادر ناب عن بعض. يعني أن الأصل: يريكم البرق إخافة، وإطماعاً ".

فإنَّ المرئي، والمخيف، والمطمع هو الله ـ تعالى ـ فناب خوف عن إخافة، وطمع عن إطماع، نحو:أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح:17] على أنه قد ذهب ابن خروف، وجماعة على أنَّ اتحاد الفعل ليس بشرط.

فصل

في كون البرق خوفاً وطمعاً وجوه:

قيل: يخاف منه نزول الصَّواعق، وطمع في نزول الغيثِ. وقيل: يخافُ المطر من يتضرر به كالمسافر، ومن في جرابه التمر والزبيب، والحب، ويطمع فيه من له فيه نفعٌ.

وقيل: يخاف منه في غير مكانه، وأمانه، ويطمع فيه إذا كان في مكانه وأمانه، ومن البلدان إذا مطروا، قحطوا، وإذا لم يمطروا خصبوا.

قال ابن الخطيب: " البرقُ جسمٌ مركبٌ من أجزاء رطبة مائية، ومن أجزاء هوائية ولا شك أنَّ الغالب عليه الأجزاء المائية، والماء جسمٌ باردٌ رطبٌ، والنَّار جسم حار يابس فظُهورُ الضدِّ من الضد التام على خلافِ العقل، فلا بد من صانع مختار يظهر الضدّ من الضدّ ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8