الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } * { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } * { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ } الآية في النَّظم وجوهٌ:

أحدها: أنَّ الكفار لما طلبوا آيات أخر غير ما أتى به الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين أنَّه ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات، فلو علم من حالهم أنهم إنما طلبوا الآية الآخرى للاسترشاد، وطلب البيان أظهرها، وما منعهم، لكنه ـ تعالى ـ عالم أنهم لم يقولوا ذلك إلا لمحض العناد؛ فلذلك منعهم، ونظيره قوله تعالى:وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } [يونس:20]، وقوله:إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } [العنكبوت:50].

وثانيها: أنه ـ تعالى لما قال:وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } [الرعد:5] في إنكار البعث بسبب أنَّ أجزاء أبدان الحيوانات تتفرَّق، وتختلط بعضها ببعض، ولا يتميَّز، فبين الله ـ تعالى ـ أنه إنما لم يتميز في حق من لا يكون عالماً بجميع المعلومات فأمَّا من: { يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } كيف لا يميزها؟.

وثالثها: أنَّه متصلٌ بقوله:وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } [الرعد:6].

والمعنى: أنه ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات، فهو إنَّما ينزل العذاب بحسب ما يعلم كونه مصلحة فيه.

قوله: { ٱللَّهُ يَعْلَمُ } يجوز في الجلالة وجهان:

أحدهما: أنَّها خبر مبتدأ مضمر، أي: هو الله، وهذا على قول من فسَّر " هادٍ " بأنه هو الله [تعالى، فكان هذه الجملة تفسير له، وهذا [ما] عنى الزمخشري بقوله: وأن يكون المعنى: هو الله] تفسيراً لـ " هادٍ " على الوجه الأخير، ثم ابتدأ فقال: " يَعْلمُ ".

والثاني: أنَّ الجلالة مبتدأ " ويَعْلمُ " خبرها، وهو كلامٌ مستأنفٌ مستقلٌّ.

قال أبو حيَّان، " و " يَعْلمُ " هاهنا متعدية إلى واحدٍ؛ لأنَّه لا يراد هنا النسبة إنَّما المراد تعلق العلم بالمفردات ".

قال شهاب الدين ـ رحمه الله ـ: " وإذا كانت كذلك، كانت غير فائتة " وقد تقدَّم أنه لا ينبغي أنه يجوز نسبة هذا إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وتقدم تحقيقه في الأنفال فالتفت إليه.

قوله: " مَا تَحْمِلُ " " مَا " تحتمل ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أن تكون موصولة اسمية، والعائد محذوف، أي: ما تحمله.

والثاني: أن تكون مصدرية، فلا عائد.

والثالث: أن تكون استفهامية، وفي محلها وجهان:

أحدهما: أنها في محلِّ رفع بالابتداء، و " تَحْمِلُ " خبره، والجملة معلقة للعلم.

والثاني: أنها في محلِّ نصب بـ " تَحْمِلُ " قاله أبو البقاء.

وهو أولى؛ لأنَّه لا يحتاج إلى حذف عائد لا سيَّما عند البصريين؛ فإنهم لا يجيزون زيداً ضَرَبتُ.

ولم يذكر أبو حيان غير هذا، ولم يتعرض لهذا الاعتراض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد