الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله: { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } يقال: فَصَل فلانٌ عن فلانٍ فُصُولاً إذا خرج من عنده، و " فَصَلَ " كذا إذا أنفذ، و " فَصَلَ " يكون لازماً، ومتعديًّا، فإن كان لازماً فمصدره فصولاً، وإن كان متعدياً فمصدره فصلاً.

قال المفسرون: لما توجَّه العير من مصر إلى كنعان، قال يعقوب لمن كان عنده من ولد ولده: { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } قال مجاهدٌ: أصاب يعقوب ريحُ القميص من مسيرة ثلاثة أيامٍ.

وعن ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنه ـ من مسيرة ثماني ليال.

وقال الحسنُ: كان بينهما ثمانون فرسخاً، وقال مجاهد: هبَّ ريح يوسف فصفق القميص؛ ففاحت روائح الجنَّة في الدُّنيا، واتَّصلت بيعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ فعلم أنَّه ليس في الدنيا من ريح الجنَّة إلاَّ ما كان من ذلك القميص فمن ثمَّ قال: { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } وروي أنَّ ريح الصَّبا استأذنت ربَّها أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشيرُ.

واعلم أنَّ وصول تلك الرائحة إلى يعقوب من هذه المسافة البعيدة أمر مناقض للعادة فكان ذلك معجزة، ولكن لمن منهما؟ والأقربُ أنَّها ليعقوب حيثُ أخبروه عنه، ونسبوه إلى ما لا ينبغي؛ فظهر الأمر كما قال؛ فكانت معجزة لهُ.

قال أهل المعاني: إنَّ الله ـ تعالى ـ أوصل ريح يوسف عند انقضاء مدَّة المحنة ومجيء وقت الروح والفرج من المكانِ البعيدِ، ومنع من وصولِ خبره إليه مع قرب إحدى البلدين من الأخرى في مدَّة ثمانين سنة، وذلك يدلُّ على أنَّ كلَّ سهلٍ فهو في زمنِ المحنةِ صعبٌ، وكلَّ صعبٍ في زمنِ الإقبال سهلٌ، ومعنى: { لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ }: أشم، وعبَّر عنه بالوجود؛ لأنه وجدان له بحاشة الشَّمِّ.

قوله: { لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } التَّفنيدُ: الإفسادُ، يقال: فنَّدت فلاناً، أي: أفسدتُ رأيه ورددته. قال الشاعر: [البسيط]
3150ب ـ يَا صَاحبيَّ دَعَا لَوْمِي وتَفْنِيدِي     فَليْسَ مَا فَاتَ مِنْ بِمَرْدُودِ
ومنه: أفْنَدَ الدَّهرُ فلاناً؛ قال الشاعر: [الطويل]
3151ـ دَعِ الدَّهْرُ يَفْعَلْ ما أرَاد فإنَّهُ     إذَا كُلِّفَ الإفْنادَ بالنَّاسِ أفْنَدا
والفَنَدُ: الفسادُ؛ قال النابغة: [البسيط]
3152ـ إلاَّ سُليْمان إذْ قَالَ الإلهُ لَهُ     قُمْ فِي البَريِّةِ فاحْدُدْهَا عنِ الفَندِ
والفِنْدُ: شمراخ الجبلِ، وبه سمي الرَّجل فنداً، والفِنْدُ الزَّماني أحد شعراء الحماسة من ذلك.

وقال الزمخشري: " يقالُ: شَيْخٌ مفنَّدٌ، ولا يقال: عجُوزٌ مُفنَّدة؛ لأنَّها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فتفنَّد في كبرها وهو غريبٌ ".

وجواب " لَوْلاَ " الامتناعية محذوفٌ، تقديره: لصَدَّقْتُمونِي ويجوز أن يكون تقديره: لأخبرتكم.

قال ابنُ الأنباريّ: " أفْنَدَ الرَّجلُ: إذا انْحَرفَ، وتغيَّر عَقْلهُ، وفند إذا جهل ونسب ذلك إليه ".

وعن الأصمعيِّ قال: إذا كثر كلامٌ الرَّجلِ من خرفٍ فهو الفَنَد والتَّفنيد.

السابقالتالي
2 3