الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } الآية اتفق المفسِّرون على أنَّ هنا محذوفاً، وتقديره: فخرجوا راجعين إلى مصر، ودخلوا على يوسف، فقالوا: يا أيُّها العزيزُ.

فإن قيل: إذا كان يقعوب أمرهم أن يتحسسوا من يوسف وأخيه، فلم عادوا إلى الشكوى؟.

فالجواب: أنَّ المتحسِّسَ يصل إلى مطلوبه بجميع الطُّرقِ، والاعترافِ بالعجز، وضموا رقَّة الحال، وقلَّة المال، وشدَّة الحاجة، وذلك ممَّا يرقِّقٌ القلب، فقالوا: نُجرِّبهُ في هذه الأمورِ، فإن رقَّ قلبه لنا ذكرنا له المقصود، وإلا سكتنا، فلهذا قدَّموا ذكر ذلك فقالوا: " يا أيُّها العزيزُ " والعزيزُ: الملكُ القادرُ الممتنع: " مسَّنَا وأهْلنَا الضُرُّ " وهو الفقر، والحاجة، وكثرة العيال وقلَّة الطَّعام، وعنوا بأهلهم من خلفهم.

قوله: " مُزجَاةٍ " أي مدفوعة يدفعها كلُّ أحدٍ عنه لزهادته فيها، ومنه:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً } [النور:43] أي: يسوقها بالريح؛ وقال حاتم [الطويل]
3143ـ لِيََبْكِ على مِلحَان ضَيْفٌ مُدفَّعٌ     وأرْمَلةٌ تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ أرْمَلاَ
ويقال: أزْجيتُ رَدِيء الدرهم فزُجِي، ومنه استعير زَجَا الجِرَاح تزْجُوا زجاً وجراح زَاج. وقول الشاعر: [البسيط]
3144ـ وحَاجَةٍ غَيْرِ مُزْجاةٍ مِن الحَاجِ   
أي: غير يسيرة يمكنُ دفعها، وصرفها لقلَّة الاعتداد بها، فألف " مُزجَاةٍ " منقلبة عن واو.

فصل

وإنَّما وصفوا تلك البضاعة بأنها مزجاة إمَّا لنقصانها، أو لدناءتها أو لهما جميعاً، قال بعضهم: المُزْجَاةُ القليلة. وقيل: كانت رَدِيئةً.

وقال ابنُ عبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ كانت دراهم رديئة لا تقبل في ثمن الطَّعام وقيل: أمتعة رديئة. وقيل: متاع الأعراب الصُّوفُ والسَّمْن. وقيل: الحبة الخضراء، وقيل: الأقط، وقيل: النعال والأدم، وقيل: سويق المقل.

وقيل: إنَّ الدَّراهم كانت منقوشة عليها صورة يوسف، والدَّراهم الَّتي جاؤا بها، ما كان فيها صورة يوسف.

وإنَّما سميت البضاعة القليلة الرَّديئة مزجاة، قال الزجاج: من قولهم: فلانٌ يزْجِي العَيْشَ، أي: يدفع الزَّمان بالقليلِ، أي: إنَّا جئنا ببضاعة مزجاة ندافع بها الزَّمان، وليست مما ينتفعُ بها، وعلى هذا فالتقديرُ ببضاعة مزجاةٍ ندافع بها الأيام.

قال أبو عبيد: إنَّما قيل للدَّراهم الرّّديئةِ مزجاة؛ لأنَّها مردودة مدفوعة غير مقبولة ممَّن ينفقها، قال: وهي من الإزجاء، والإزجاء عند العرب: الدَّفعُ.

وقيل: مزجاة، أي: مؤخرة مدفوعة عن الإنفاقِ لا يقبل مثلها إلاَّ من اضطر، واحتاج إليها لفقد غيرها ممَّا هو أجود منها.

وقال الكلبيُّ: " مزجاة لغة العجم، وقيل: هي من لفظ القِبْطِ ".

قال ابن الأنباري: لا ينبغي أن يجعل لفظ عربي معروف الاشتقاق منسوباً إلى القبط.

وقرأ حمزة والكسائي: " مُزْجَاةٍ " بالإمالة؛ لأن أصله الياء، والباقون بالفتح والتفخيم.

ثمَّ لما وصفوا شدَّة حالهم، ووصفوا بضاعتهم بأنها مزجاة قالوا له: " فأوْفِ لنَا الكيْلَ: يجوز أن يراد به حقيقة من الآلة، وأن يراد به الكيل، فيكون مصدراً، والمعنى إنَّا نريدُ أن نقيم النَّاقص مقام الزَّائد أو نقيم الرَّديء مقام الجيِّد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9