الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } * { قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ }

{ فَبَدَأَ } يوسف: { بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } لإزالة التُّهمة.

قرأ العامة: " وعَاءِ " بكسر الواو. وقرأ الحسن بضمها، وهي لغةٌ نقلت عن نافع أيضاً، وقرأ سعيد بن جبير: " مِنْ إعَاءِ أخيهِ " بإبدال الواو همزة وهي لغة هذيليَّة، يبدلون من الواو المكسورة، أوَّل الكلمة همزة، فيقولون: إشاح وإسادة، وإعاء في " وِشَاح، ووِسَادة، ووِعَاء " وقد تقدَّم ذلك في الجلالة المعظمة أول الكتاب.

والأوعية: جمع وِعَاء. هو كلُّ ما إذا وضع فيه أحاط به.

قوله تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا } في الضمير المنصوب قولان:

أحدهما: أنَّه عائد على الصّواع؛ لأنَّ فيه التَّذكير، والتَّأنيث، كما تقدَّم.

وقيل: لأنه حمل على معنى السقاية. قال أبو عبيدٍ: قولك: " الصُّواعُ " يؤنَّث من حيثُ هو سقاية، ويذكَّر من حيث هو صواع.

قالوا: وكأنَّ أبا عبيد لم يحفظ في الصواع التَّأنيث.

وقال الزمخشريُّ: " قالوا رجع بالتَّأنيث على السِّقاية " ثم قال: " ولعلَّ يوسف كان يسمِّه سقاية، وعبيدة صواعاً، فقد وقع فيما يتَّصل به من الكلام سقاية، وفيما يتَّصل بهم منه صواعاً ".

وهذا الأخيرُ أحسنُ.

والثاني: أنَّ الضمير عائد على السَّرقة.

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ السرقة لا تستخرج إلا بمجاز.

فصل

قال قتادة: ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً، ولا ينظرُ من وعاءٍ ألاَّ استغفر الله ـ تعالى تائباً ممَّا قذفهم به، حتى إذا لم يبق إلاَّ رحْلُ بنيامين قال: ما أظنُّ هذا أخذه، فقال إخوتهُ: والله لا يتركُ حتَّى ينظر في رحله، فإنه أطيبُ لنفسك، ولأنفسنا، فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه؛ فنكس إخوته رءوسهم من الحياء وقالوا: إنَّ هذه الواقعة عجيبةٌ، إنَّ راحيل ولدت ولدين لصين، وأقبلوا على بنيامين، وقالوا: أيش الذي صنعت، فضحتنا، وسوَّدت وجُوهنا، يا بني راحيل لا يزال لنا منكم بلاءٌ [حتى أخذت هذا الصواع، فقال بنيامين: بل بنو راحيل لا يزال لهم منكم بلاء] ذهبتهم بأخي، ثم أهلكتموه في البريَّة، ثم تقولون لي هذا الكلام، قالوا له: كيف خرج الصُّواعُ من رحلك؟ فقال: وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم، قالوا: فأخذ بنيامين رقيقاً.

قوله: { كَذٰلِكَ كِدْنَا } الكلام في: { كَذٰلِكَ كِدْنَا } [75] كالكلام فيما كان قبلها أي: مثل ذلك الكيد العظيم، أي: كما فعلوا في الابتداء بيوسف من الكيد فعلنا بهم، وقد مقال يعقوب ليوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـفَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } [يوسف:5]، فكدنا ليوسف في أمرهم.

فالمراد من هذا الكيد: هو أنَّهُ ـ تعالى ـ ألقى في قلب إخوته: أن احكموا بأنَّ جزاء السَّارق هو أن يسترقَّ، لا جرم لما ظهر الصُّواعُ في رحله؛ حكموا عليه بالاسترقاق؛ وصار ذلك سبباً لتمكُّنِ يوسف ـ صلوات الله وسلام عليه ـ من إمساكِ أخيه عند نفسه.

السابقالتالي
2 3 4 5